مقدمة
تعاني مصر من أزمة اقتصادية مستمرة، تظهر آثارها في مظاهر عديدة، وتؤثر على الوضع المعيشي للمواطن المصري، الذي يُعاني من ارتفاع معدلات التضخم، وانهيار قيمة العملة الوطنية، ونقص في الخدمات التي يجب أن تقدمها له الدولة، وآخرها الكهرباء.
وتتأرجح هذه الأزمة صعودًا وهبوطًا، دون حل يلوح في المدى القريب، لأسباب عديدة، سياسية واقتصادية ومجتمعية، ترتبط بوضع النظام الحاكم وطريقته في الحكم وكيفية إدارته للملف الاقتصادي، وأوضاع أطراف أخرى، منها المعارضة، والشعب، والقوى الإقليمية والدولية المتداخلة في الشأن المصري والداعمة للنظام الحالي.
تحاول هذه الورقة تقديم تقدير موقف حول الأزمة الاقتصادية، من خلال استعراض تطوراتها الأخيرة، ومظاهرها، ومواقف الأطراف المختلفة، داخلية وخارجية، تمهيدًا لعرض سيناريوهات محتملة لمستقبل هذه الأزمة وترجيح أحدها.
الأزمة الاقتصادية
بعد ما يقرب من ثلاثة أشهر على ترويج النظام بمصر لحملة من التفاؤل بقرب انتعاش الاقتصاد المصري، بسبب اتفاقيات ووعود بتمويل خارجي بعشرات مليارات الدولارات، جاء بعضها من صفقة “رأس الحكمة” مع دولة الإمارات، التي رفعت الاحتياطي النقدي إلى أكثر من 46 مليار دولار، واتفاقيات أخرى مع الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي، دخلت مصر في أزمة جديدة، تدل على أن تدفق الأموال الخارجية لم يسهم في إحداث الإصلاح الاقتصادي المنتظر وتحقيق الانتعاشة المأمولة، لأن هذه الأموال تُوجَّه إلى ودائع البنك المركزي، وأقساط الديون، واعتمادات الاستيراد، والإفراج عن الواردات، وتثبيت سعر العملة، وليس إلى وسائل الإنتاج والمشاريع التي تدر عائدًا يغطي الالتزامات المطلوبة.
ظهرت آثار الموجة الجديدة من موجات الأزمة الاقتصادية المتتالية في عدة مظاهر، تدل على استمرارية الأزمة، وعدم نجاعة الحلول التي يلجأ إليها النظام، ومنها ما يلي:
- تراجع الاهتمام بشراء الديون المصرية، المتمثلة في السندات الدولارية، بعد أن شهد شهر مارس 2024 أعلى معدلات شراء في تاريخ مصر، بواقع 30 مليار دولار، وهو ما يدل على شعور الدائنين بالقلق من الوضع العام للاقتصاد المصري، ويؤشر إلى إمكانية خروج الأموال التي دخلت في الفترة القادمة، الأمر الذي سوف يضاعف أزمة العملة الأجنبية[1].
- عدم القدرة على سداد الديون المستحقة لشركات الطاقة، وتأجيل استحقاقاتها المالية، واللجوء إلى شراء الغاز بآليَّة الدفع الآجل التي تكلف الميزانية أعباءً إضافية.
- حدوث أزمة في إنتاج الكهرباء، واتباع سياسة تخفيف الأحمال (أو قطع التيار الكهربائي)، الأمر الذي يؤثر على حركة العمل، والإنتاج، والسياحة، والحياة اليومية في مصر.
ويُعمِّق من هذه الأزمة، تراجع عائدات قناة السويس، بنسبة وصلت إلى 60 بالمئة[2]، بسبب المواجهة بين الحوثيّين باليمن والولايات المتحدة وحلفاء لها في جنوب البحر الأحمر، وهو ما يؤثر على سلامة السفن المتجهة للقناة. بالإضافة إلى إمكانية تراجع عائدات القطاع السياحي بسبب موجة الحر وانقطاع التيار الكهربائي.
أزمة الكهرباء
تُعَد أزمة انقطاع التيار الكهربائي في عموم مصر واحدة من أبرز مظاهر الأزمة الاقتصادية في الآونة الأخيرة؛ لأنها ليست أزمة تقنية أو فنية، وإنما هي أزمة مالية في الأساس، تتمثل في عدم قدرة الدولة على توفير الاعتمادات المالية اللازمة لشراء الوقود اللازم لعمل محطات الكهرباء، الأمر الذي دفع الحكومة إلى انتهاج سياسة “تخفيف الأحمال” اليومية، التي وصلت إلى 3 ساعات أو أكثر، في ظِل موجة حر شديدة.
وضاعف من حدة الأزمة انخفاض إنتاج مصر من النفط والغاز، بسبب تراجع الإنتاج من حقل ظهر، بعد أن انسحبت شركة “إيني” الإيطالية من عمليات تطويره، لعدم حصولها على مستحقاتها المتأخرة لدى الحكومة المصرية، والتي تقدر بأكثر من مليار ونصف دولار، وذلك بالتزامن مع زيادة كبيرة في الاستهلاك.
فقد تراجع الإنتاج في الفترة من فبراير 2023 إلى فبراير 2024 إلي حوالي 5 ونصف مليون طن، بعد أن كان 5 مليون و800 ألف طن. أما الاستهلاك فقد زاد في الفترة ذاتها إلى أكثر من 6 مليون و300 ألف طن بعد أن كان حوالي 5 مليون و800 ألف طن[3].
تحتاج الحكومة إلى ما قيمته 1.18 مليار دولار لاستيراد شحنات من الغاز والمازوت اللازمة لمحطات إنتاج الكهرباء، في الوقت الذي لا تمتلك فيه القدرة على تسديد ديونها لشركات الطاقة، في ظِل نقص العملة الصعبة، ما جعلها تقدم على محاولات لشراء كميات من الغاز بآليَّة الدفع المؤجل[4]، الأمر الذي سوف يؤدي إلى زيادة التكلفة، ويثير تساؤلات بشأن عشرات مليارات الدولارات التي جمعها النظام من تعهدات التمويل، خاصَّة من صفقة “رأس الحكمة” التي تمَّ الترويج لها كطوق نجاة للاقتصاد المصري وبداية لازدهار منتظر.
لا تتوقف خسائر انقطاع الكهرباء على حياة المصريّين فقط، وإنما يؤثر هذا الانقطاع المستمر على الاقتصاد الكلي ومعدلات الناتج المحلي، لأنه يمس أصحاب المحال التجارية وأصحاب الأعمال من شركات ومشروعات صغيرة ومتوسطة، وصولًا إلى بعض المصانع الكبرى، مما سيؤثر بشكل كبير على حجم العمالة، بسبب انخفاض حجم الإنتاج، وهو ما سيؤدي بالتبعية إلى زيادة حجم البطالة ومعدلات الفقر.
كذلك يهدد الانقطاع المستمر للكهرباء قطاعًا مهمًّا للاقتصاد المصري، وموردًا رئيسًا من موارد العملة الصعبة، وهو قطاع السياحة[5].
تُظهِر أزمة الكهرباء سوء إدارة النظام الحاكم للاقتصاد المصري، فالحكومة ملتزمة باتفاقيات لتصدير الكهرباء إلى دول مثل الأردن، في الوقت الذي لا تستطيع أن توفرها لمواطنيها ومؤسساتها الإنتاجية والسياحية والخدمية، وتُعرِّض الاقتصاد الكلي للخطر بتصدير كميات كبيرة من النفط المصري في ظِل أزمة الطاقة للحصول على دخل من العملة الصعبة سوف يُدفع مرة أخرى لشركات الطاقة من أجل استيراد الغاز.
هذا بالإضافة إلى ما كشفت عنه الأزمة من خطر يُهدِّد الأمن القومي المصري، يتمثل في اعتماد مصر على الغاز الوارد من إسرائيل، وهو ما يظهر من تصريح رئيس الوزراء، مصطفى مدبولي، الذي قال إن العطل بأحد حقول الغاز في “دولة مجاورة” – لم يُسمِّها – سبب من أسباب أزمة الكهرباء بمصر[6].
لقد صارت حياة المصريّين ومؤسساتهم الإنتاجية والخدمية في خطر بسبب ربط قطاع إستراتيجي مثل قطاع الطاقة بالكيان الصهيوني، حيث قدر بعض المتخصصين اعتماد مصر على الغاز الإسرائيلي بنحو 18 بالمئة من الاحتياجات المصرية.
موقف النظام المصري
يتمسك النظام المصري بأساليبه المعتادة في معالجة الأزمة الاقتصادية، حيث يعمد إلى الحلول المؤقتة، التي تتعامل مع مظاهر الأزمة ولا تقترب من أصولها.
فالنظام يلجأ إلى القروض والأموال الساخنة وبيع الأصول المصرية، وهو ما يُحدِث انتعاشة مؤقتة، سرعان ما يزول أثرها، بسبب سوء توظيف هذه الأموال، وعدم توجيهها لمشاريع إنتاجية أو خدمية لمصلحة الشعب المصري، لتعود الأزمة للظهور من جديد. وهو ما حدث بعد ما يقرب من ثلاثة أشهر على التدفقات المالية الكبيرة التي جاءت من الإمارات والاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي.
هذا بالإضافة إلى تطبيق توصيات صندوق النقد الدولي، التي لا تهتم بوضع المواطن الفقير، وتنعكس عليه بالسلب، وكان آخرها رفع أسعار الخبز.
ولإدراك النظام خطور حالة الغضب المتراكم بسبب الفشل في إدارة الملف الاقتصادي وتدهور الأوضاع المعيشية، وهو ما كان سببًا رئيسًا في انفجار الوضع في أواخر عهد حسني مبارك، جاء قرار تأجيل رفع أسعار الكهرباء، الذي كان مقررًا في مطلع يوليو 2024، لمدة شهرين[7].
ولمحاصرة حالة السخط الشعبي بسبب عجز الحكومة عن تحسين الأوضاع المعيشية الصعبة، والحيلولة دون انتشارها وتطورها، يلجأ النظام إلى جملة من الوسائل، عبر الإعلام واللجان الإلكترونية المنتشرة في وسائل التواصل الاجتماعي، ومنها ما يلي:
- تخوين الأصوات المنتقدة، وادعاء انتمائها لجهات معادية للوطن.
- التخويف من مصير الدول التي انهار بها النظام ولم يعد بها أمن أو طعام.
- التضليل والإلهاء، من خلال تحميل “اللاجئين” بمصر مسؤولية تفاقم الأزمة.
- التنصل من المسؤولية، والادعاء بوجود أسباب خارجية قاهرة.
- استدعاء الوطنية والمطالبة بالتضحية من أجل الوطن.
- التنفيس من خلال دفع أصوات إعلامية محسوبة على النظام لانتقاد التقصير.
- تحميل المسؤولية للحكومة دون النظام الحاكم وعلى رأسه السيسي.
موقف المعارضة المصرية
تمر قرارات السيسي الاقتصادية – التي وصفها هو نفسه بالصعبة – دون مواجهة حقيقية ومؤثرة من جانب المعارضة المصرية التي تمر بحالة ضعف واضحة.
ويَرجع ضعف الصوت المنتقد من جانب المعارضة إلى نجاح نظام السيسي في تغييب تيار الإسلام السياسي المعارض عن المشهد خلال السنوات العشرة الأخيرة، واستهداف المعارضة المدنية الهشة بالأساس، وتقييد حرية الرأي والتعبير، وتبني سياسات سلطوية يُعد أبرزها تمرير قوانين تشرعن التقييد والمنع بشكل مطلق، واستخدام أقصى درجات البطش[8].
هذا بالإضافة إلى انشغال المعارضة بمشاكلها الداخلية من ناحيةٍ، وتركيزها على القضايا السياسية، بسبب حالة الانسداد السياسي التي تعيشها البلاد من ناحيةٍ أخرى، وهو ما يجعل القضايا الاقتصادية تتوارى، ولا تظهر إلَّا في أحد شكلين:
- كتابات متفرقة لمتخصصين من المعارضة، لا يجمعها مشروع أو رؤية مكتملة حول الحالة الاقتصادية، يتقدم بها فصيل معارض، أو فصائل المعارضة مجتمعة للشعب المصري، كبديل للرؤية الحكومية، يمكن أن يُخرِج البلاد من أزمتها.
- انتقاد عام للأداء الحكومي في مجال الاقتصاد، وكشف الأخطاء التي تحدث، والتعبير عن معاناة الشعب المصري بسبب هذه الأخطاء.
وهذا ما حدث بالفعل مع الأزمة الاقتصادية الأخيرة، التي كان انقطاع الكهرباء أبرز مظاهرها، حيث برز الصوت المعارض في تناول الأزمة وانتقاد الأداء وكشف الأخطاء والتعبير عن معاناة الشعب المصري، ولكن بجهود متفرقة، لم تتطور إلى موقف موحد، ولم تبادر إلى طرح إجراء عملي، كدعوة الشعب للاحتجاج مثلًا.
موقف الشعب المصري
تلقي الأزمة الاقتصادية بظلالها على المواطن المصري، الذي يعاني من زيادة التضخم، والبطالة، وارتفاع معدلات الفقر، الأمر الذي يؤثر على ظروفه المعيشية بالسلب، ويظهر في عدم قدرته على توفير الاحتياجات الأساسية، من مأكل ومشرب وملبس وعلاج، ومعاناته في توفير قيمة الخدمات اليومية الضرورية، مثل المواصلات، والموسمية، مثل الدراسة.
وقد أفرزت الأزمة مظاهر اجتماعية تهدد سلامة المجتمع المصري، مثل تآكل الطبقة المتوسطة، وارتفاع معدلات الجريمة المرتبطة بالفقر، مثل السرقة والنصب والقتل، وتزايد حالات الانتحار، وكثرة حالات الطلاق التي تؤدي لانهيار الأسرة المصرية.
غير أن ظاهرة جديدة بدأت تنتشر في أوساط المصريّين بسبب الأزمة الاقتصادية، وهي ظاهرة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، خاصَّة تطبيق “تيك توك”، في التسوُّل من مواطني دول الخليج، أو في الابتزال الأخلاقي الذي يصل إلى حد ارتكاب بعض النساء والفتيات جرائم تندرج تحت مسمى “الدعارة الإلكترونية”.
وكعادة الشعب المصري مع كل موجة مرتفعة من موجات الأزمة الاقتصادية، تزيد معدلات التعبير عن السخط، وتظهر ردود الأفعال من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، والتي يعبر فيها البعض عن ندمه على تأييد السيسي، وأسفه على التضحية بالحرية في مقابل الطعام، بعد أن فقدوا الحرية والطعام معًا، ورغبته في رحيله عن السلطة.
ويمكن القول إن شعبية السيسي الآن في أدني مستوياتها بين غير المؤدلجين والبسطاء والعوام الذين انخدعوا به في بداية الانقلاب.
ولكن حالات التعبير عن السخط من جانب الشعب المصري تظل فردية، حتى وإن كانت تُعبّر عن حالة غضب شديد ومتنامي في شرائح وقطاعات عريضة من المواطنين، وتحتاج إلى تأطير وتوجيه، حتى تُحدِث التأثير المطلوب.
كما أنها تُواجَه برقابة شديدة، وتهديد أمني، تظهر آثاره في تراجع بعض المواطنين الذين انتقدوا الوضع الاقتصادي، وخروجهم مرة أخرى عبر وسائل التواصل الاجتماعي لتأكيد تأييدهم للنظام، وانتقادهم للجهات التي تحاول استغلال انتقاداتهم في الإساءة للدولة، في إشارة إلى قنوات المعارضة بالخارج ووسائل الإعلام الأجنبية التي تنشر مقاطعهم المصورة.
موقف القوى الإقليمية والدولية
تتدخل القوى الإقليمية والدولية لدعم النظام المصري بعد كل أزمة اقتصادية عنيفة تهدد استقراره أو تنذر بإمكانية الخروج عليه وإسقاطه، وهو ما حدث في مارس 2024، حينما واجه النظام أزمة حادة في موارده من العملة الأجنبية، كادت تؤدي إلى عجز الحكومة عن سداد أقساط الديون الخارجية وتوفير السلع الاستراتيجية.
فقد تمَّ الاتفاق بعد هذه الأزمة على حصول مصر على ما يقرب من 55 مليار دولار، منها 35 مليارًا من مشروع رأس الحكمة، وأكثر من 9 مليارات من صندوف النقد، ونحو 12 مليارًا في شكل تمويل مرتقب من البنك الدولي والاتحاد الأوروبي.
ولكن هل يستمر الدعم الاقتصادي الإقليمي والدولي للنظام المصري رغم سياساته الاقتصادية التي لم تسفر عن تقدم أو تطور في الحالة الاقتصادية، وملف حقوق الإنسان الذي يشهد انتهاكات كبيرة؟ وإلى أيّ حد يمكن أن يصل هذا الدعم؟
ثمَّة متغيرات وتطورات إقليمية ودولية تشير إلى أن الدعم الإقليمي والدولي سوف يستمر، من أجل المحافظة على بقاء النظام المصري واستقراره.
فعلى المستوى الإقليمي، سوف تظل دول الخليج تتدخل لدعم السيسي وإنقاذه في الوقت المناسب، بغض النظر عن شكل التدخل، لأسباب عديدة، منها ما يلي:
- المحافظة على استقرار النظام الذي يحمي مصالحها في مصر، خاصَّة بعد تزايد حجم الاستثمارات الخليجية في الأصول المصرية المباعة.
- بقاء الدولة المصرية رهينة للدعم الخليجي، لتفقد مكانتها الإقليمية وريادتها العربية لصالح الإمارات والسعودية تحديدًا.
- الحيلولة دون سقوط السيسي وقيام نظام ديمقراطي في مصر، يؤدي إلى استقلال سياسي واقتصادي، وتمتد عدواه إلى باقي دول المنطقة.
وعلى المستوى الدولي، سوف يستمر الدعم أيضًا، من خلال الاتفاقيات المباشرة بين مصر والدول الغربية، أو بين مصر والمؤسسات المالية الدولية التي تتحكم فيها الدول الكبرى، لأسباب عديدة، منها ما يلي:
- المحافظة على بقاء حليف استراتيجي في وقت تسعى فيه روسيا والصين إلى التمدد في مناطق النفوذ الغربي، بعد تزايد حدة الصراع وقيام الحرب الروسية الأوكرانية.
- دعم استقرار النظام المصري الذي يحمي المصالح الغربية في مصر، ويقوم بأدوار مهمة في تنفيذ الرؤى والخطط الغربية بالمنطقة.
- الإبقاء على نظام حليف يمكن الاعتماد عليه في محاربة الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا، خاصة وأنه لا يتورع عن استخدام وسائل غير إنسانية في هذا الملف نيابة عن الغرب.
- الحاجة إلى نظام يؤيد التطبيع مع إسرائيل، ويتماهى مع الغرب في موقفه من المقاومة الفلسطينية، ويساعد في تنفيذ الخطط المستقبلية لمحاصرة المقاومة وداعميها.
ولعل الإعلان عن اتفاقيات جديدة لدعم الاقتصاد المصري، مثل توقيع اتفاقيات ومذكرات تفاهم يتجاوز إجماليها 42 مليار دولار بين مصر ومجموعة شركات أوروبية، برعاية الاتحاد الأوروبي، على هامش مؤتمر الاستثمار المصري الأوروبي، في 29 يونيو[9]، دليل على ما ذهبنا إليه من استمرار الدعم الخارجي، بغض النظر عن أيّ اعتبارات أخرى، سواء كانت اقتصادية أو سياسية أو حقوقية.
فقد تجاهلت الاتفاقيات الأخيرة المخاطر الاقتصادية من الاستثمار في مصر، وجاءت بعد 3 أشهر من الدعم الإقليمي والدولي الكبير، الذي قُدِّم للنظام المصري في شكل استثمارات ومساعدات، واختفى أثره التنموي، ودخلت البلاد بعده في أزمة جديدة، ما يدل على أن النظام لا يحسن استخدام هذا الدعم
كذلك تجاهلت هذه الاتفاقيات الانتقادات التي صدرت عن نواب بالبرلمان الأوروبي ومنظمات حقوقية دولية بعد توقيع اتفاقية الشراكة الاستراتيجية الشاملة مع مصر، في مارس 2024، بسبب الديكتاتورية والانتهاكات الحقوقية.
السيناريوهات المحتملة
ثمَّة سيناريوهات ثلاثة محتملة لمستقبل الأزمة الاقتصادية المصرية الحالية، وهي مرتبطة بعوامل داخلية وخارجية، تتمثل في المتغيرات المحلية والإقليمية والدولية الحالية.
سيناريو (1) حل الأزمة والاستقرار
التوصيف | عوامل التحقق | مظاهر التحقق |
حل الأزمة الاقتصادية، وزوال مظاهرها السلبية، وتراجع معدلات الغضب الشعبي، ودخول البلاد في حالة استقرار. | إقدام النظام على إحداث إصلاح اقتصادي حقيقي يعالج أسباب الأزمة.حسن استخدام وتوظيف إمكانيات البلاد.استمرار وتزايد الدعم الإقليمي والدولي للنظام. توجيه الدعم الخارجي من مساعدات وقروض إلى الإنتاج والتصنيع والتصدير. | تراجع مظاهر الأزمة، وعلى رأسها التضخم، والبطالة، والفقر. تحسن الأوضاع المعيشية للشعب المصري.حدوث حالة رضا مجتمعي تؤدي إلى الاستقرار. |
من شأن تحقق هذا السيناريو أن يُفضِي إلى حالة رضا مجتمعي، تؤدي إلى استقرار النظام. ولكن أداء النظام الاقتصادي لا يبشر بإمكانية حدوث الإصلاح الذي يحل الأزمة، هذا بالإضافة إلى أن أيّ إصلاح اقتصادي مرهون بالإصلاح السياسي الذي يضمن خروج الجيش من الشأن العام، وتقعيل أجهزة الرقابة والمحاسبة، والتعامل بشفافية.
سيناريو (2) تفاقم الأزمة وحدوث اضطرابات
التوصيف | عوامل التحقق | مظاهر التحقق |
تفاقم الأزمة الاقتصادية، وتزايد مظاهرها السلبية، وتنامي السخط الشعبي، ودخول البلاد في حالة من حالات الاضطراب. | تمسُّك النظام بطرقه الخاطئة في معالجة الأزمة.امتناع الداعمين الخارجيّين عن مساعدة النظام.الاستمرار في سياسة الاستدانة وإغراق البلاد في الديون.اعتماد النظام على القبضة الأمنية في مواجهة الشعب. | تزايد مظاهر الأزمة الاقتصادية وتفاقمها. تدهور الأوضاع المعيشية للشعب المصري.استمرار السخط الشعبي، والانفجار، وحدوث اضطرابات. |
من شأن تحقق هذا السيناريو أن يزيد من حالة الاحتقان، وهو ما يمكن أن يؤدي إلى انفجار مفاجئ، يُدخل البلاد في حالة اضطراب، مالم تتدخل جهة فاعلة من داخل النظام، وهي الجيش تحديدًا، من أجل تفادي الاضطراب، بإحداث حالة تغيير.
سيناريو (3) بقاء الوضع على ما هو عليه
التوصيف | عوامل التحقق | الاستجابة للسيناريو |
بقاء الوضع على ما هو عليه، متمثلًا في أزمة مستمرة، تعلو وتهبط، ويتخللها إجراءات تزيد من السخط حينًا، وأخرى تؤدي إلى التهدئة حينًا آخر. | استمرار النظام في نهجه الاقتصادي الحالي.تدخل الداعمين الخارجيين في الوقت المناسب.تشديد القبضة الأمنية في معالجة آثار الأزمة.تخوف الشعب من أيّ خروج على النظام. | تعايش الشعب المصري مع الأزمة.تعوّد الشعب المصري على الظروف القاسية.اتخاذ النظام إجراءات تجلب رضا شرائح من المواطنين.التراجع عن بعض الإجراءات التي تثير السخط ومحاولة التخفيف من وطأتها |
يدعم تحقيق هذا السيناريو حالة التعايش والتعوُّد لدى الشعب المصري، الذي يتكيف مع الظروف الصعبة ويتعايش معها، ويَخشى من الخروج ضد النظام، بسبب القبضة الأمنية. هذا بالإضافة إلى غياب قوى معارضة يمكنها أن تحركه وتقوده، ووجود إستراتيجية لدى داعمي للنظام، الذين يتدخلون بعد كل موجة من موجات الأزمة. ولكن كل هذا لا يمنع من تراكم الغضب الذي يمكن انفجاره في أي وقت، متى توفرت الظروف المناسبة.
التقدير
يبدو أن السيناريو الثالث هو الأقرب في الوقت الراهن، وإلى أن تتغير الظروف الحالية؛ لأن السيسي لا يمتلك إرادة لحل الأزمة، بما يُحدِث الرضا المجتمعي ويأتي بالاستقرار. ولهذا سوف تتفاقم الأزمة، ويزداد السخط الشعبي، الذي يمكن أن ينفجر ويأتي بالاضطرابات، ولكن هذا الانفجار يمكن تأجيله بعض الوقت؛ لأن النظام يمتلك ألة كبيرة للبطش، تقمع أيَّ محاولة للتعبير عن الغضب والخروج للاحتجاج، ويدعمه حلفاء يساعدونه في الوقت المناسب، بما يحول دون حدوث الانفجار، ولا يؤدي في الوقت نفسه إلى إحداث حالة ازدهار اقتصادي، خاصَّة وأن الظروف الإقليمية والدولية لا تسمح بوصول الحال في مصر إلى حد الانفجار، ولا تغيير النظام الحالي، ولا تقويته بالحد الذي يمكنه من الاستقلال السياسي والاقتصادي.
خاتمة
الأزمة الاقتصادية في مصر أزمة هيكلية، ومركبة، بسبب كثرة المشاكل وتجذرها، ومنها ضعف القطاعات الإنتاجية، مثل الزراعة والصناعة، وقلة التصدير، والتوسع في الاستيراد، وهو ما يؤدي إلى وجود عجز دائم في الميزان التجاري ونقص في واردات الدولة من العملة الأجنبية.
هذا بالإضافة إلى الاستبداد السياسي الذي يحول دون إحداث إصلاح اقتصادي، ويحمي الفساد، ولا يُفعِّل آليَّات الرقابة والمحاسبة، ويتيح للجيش الهيمنة على الاقتصاد.
وأزمة كهذه لا تجدي معها الحلول المؤقتة، التي لا تتعامل مع أسبابها الأصلية، فضلًا عن الحلول الخاطئة، وأبرزها التوسع في الاستدانة من الخارج، وبيع الأصول المملوكة للشعب، وإنفاق القروض والتدفقات المالية على مشاريع لا تعود بالنفع على المواطن البسيط، ولا يمكن الاعتراض عليها بقوة وتغييرها في ظِل نظام استبدادي يقمع المعارضة، ولا يمتلك رؤية أو خطط للإصلاح الحقيقي، ويعتمد على الدعم الخارجي الذي يأتيه في الوقت المناسب، ليضمن له فرصة البقاء والاستقرار لأطول فترة ممكنة.
ولهذا، سوف يستمر التدهور المعيشي بالنسبة للمواطن المصري، الأمر الذي سوف يزيد من حالة السخط الشعبي، الذي لن يجد النظام وسيلة لمواجهته غير القمع الأمني، لعجزه عن إيجاد حلول تلبي احتياجات الناس، ما سيعيدنا إلى مرحلة تشبه مرحلة أواخر عهد مبارك، التي تراكم فيها الغضب، وانفجر مع حلول الفرصة المناسبة، ولكن هذه اللحظة قد تتأخر بعض الشيء في حالة السيسي، لأسباب عديدة، ولكنها تظل قائمة ومحتملة.
[1] – بلومبرج عربي، هل فقدت سندات الخزانة المصرية بريقها؟، 13 يونيو 2024، الرابط
[2] – وكالة الأناضول، وزير المالية المصري: تقديرات بتراجع إيرادات قناة السويس 60 بالمئة، 20 مايو 2024، الرابط
[3] – الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، المعلوماتية: نشرة إحصائية شهرية، العدد 146، أبريل 2024، ص5.
[4] – الجزيرة، مصر تسعى لشراء غاز مسال بمدفوعات مؤجلة، 19 يونيو 2024، الرابط
[5] – RT عربي، مصر .. خبراء يشيرون إلى أسباب وتداعيات أزمة الطاقة في البلاد، 25 يونيو 2024، الرابط
[6] – صحيفة الأهرام، خروج حقل غاز بدولة مجاورة من الخدمة السبب في زيادة فترة انقطاع الكهرباء، 25 يونيو 2024، الرابط
[7] – المصري اليوم، مصدر حكومي: تأجيل زيادة أسعار الكهرباء الجديدة لهذا الموعد، 29 يونيو 2024، الرابط
[8] – BBC عربي، مصر: كيف أجهز النظام السياسي على المعارضة؟، 21 يونيو 2024، الرابط
[9] – الحرة، صفقات لشركات أوروبية بأكثر من 42 مليار دولار في مصر، 29 يونيو 2024، الرابط