تقدير موقف

اغتيال إسماعيل هنيَّة.. دلالات الحدث، وتبعاته، واحتمالات الرد

للتحميل والقراءة بصيغة PDF

مقدمة

واصل الكيان الصهيوني سياسة الاغتيالات ضد قيادات المقاومة الفلسطينية، وكان آخرها اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، إسماعيل هنيَّة، وهو أرفع مسؤول من حركة حماس يتم اغتياله من جانب إسرائيل منذ اندلاع الحرب في قطاع غزة.

تستعرض هذه الورقة ملابسات اغتيال هنيَّة، والمكاسب التي حصلت عليها إسرائيل من وراء العملية، وحالة الفشل الأمني والاختراق الإسرائيلي للداخل الإيراني التي أدت إلى اختيار طهران لتكون مسرحًا لاغتياله، وشكل الرد الإيراني المحتمل، وأثر الاغتيال على المقاومة، ومسارات الرد التي يمكن أن تسير فيها، والتبعات العسكرية والسياسية على الحرب في غزة.

اغتيال إسماعيل هنيَّة

اغتيل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، إسماعيل هنيَّة، في 31 يوليو 2024م، في مقر إقامته بالعاصمة الإيرانية طهران، بعد المشاركة في حفل تنصيب الرئيس الجديد، مسعود بزشكيان.

جاء حادث الاغتيال بعد أن تعرَّض مقر إقامة هنيَّة لقصف بصاروخ، قيل إنه جاء من خارج الأراضي الإيرانية، وهو ما ذكرته هيئة البث الإسرائيلية، التي قالت إن “هنيَّة قُتِل بصاروخ أطلق من دولة خارج إيران وليس من الأجواء الإيرانية”[1].

فيما ذكرت تقارير أخرى، منها تقارير إسرائيلية أيضًا، أن الصاروخ مُوجَّه من داخل الحدود الإيرانية، وهو ما يمكن الاستدلال عليه بالدقة الكبيرة في إصابة مقر إقامة هنيَّة في طهران، وما ورد عن أن “اغتيال هنيَّة تمَّ بصاروخ موجَّه نحو جسده مباشرة”[2].

والحديث عن استهداف هنيَّة بصاروخ من خارج الأراضي الإيرانية، يفتح الباب لجملة من التكهنات حول الدولة التي انطلق منها الهجوم. فقد يكون هذا الصاروخ موجَّهًا من إسرائيل، وقد يكون موجهًا من مناطق يتواجد فيها الموساد الإسرائيلي بكثافة، مثل أذربيجان، التي ترتبط بعلاقات وثيقة مع إسرائيل، وتُعَد قاعدة للنشاط الإسرائيلي ضد إيران، وارتبط اسمها باغتيال الرئيس الإيراني السابق، إبراهيم رئيسي، أثناء عودته منها. أو العراق، الذي يرتبط فيه الموساد بعلاقات تعاون مع فصائل من الأكراد المعادين لإيران.

ويُستبعَد من ذلك دول الخليج، وعلى رأسها الإمارات، التي لا يمكنها أن تتحمَّل تبعات المواجهة المباشرة مع إيران في حال إقدامها على استخدام أراضيها في اغتيال هنيَّة.

أما الحديث عن انطلاق الهجوم من داخل الأراضي الإيرانية، فهناك شواهد سابقة تدل على إمكانية حدوثه، بسبب الاختراق الإسرائيلي للداخل الإيراني، الذي حذر منه مسؤولون إيرانيون كبار من قبل، وظهرت آثاره في اغتيال العالم النووي محسن فخري زاده، واستهداف منشآت عسكرية في مدينة إصفهان.

مسؤولية إسرائيل

لم يصدر بيان رسمي عن إسرائيل بشأن الاغتيال، وهو أسلوب معتاد، ولكن مكتب رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو نشر صورة لإسماعيل هنيَّة، عليها عبارة “تمَّ التخلص منه”[3]، للدلالة على وقوف تل‌أبيب وراء الحادث دون الاعتراف الرسمي بذلك.

وكان نتنياهو قد طلب من الوزراء عدم التعليق، إلَّا أن وزير التراث الإسرائيلي، عميحاي إلياهو، المنتمي إلى الحزب اليميني المتطرف الذي يتزعمه الوزير إيتمار بن غفير، علق على الاغتيال، وقال إن “هذه هي الطريقة الصحيحة لتطهير العالم”[4].

أما وزير الدفاع، يوآف غالانت، فلم يعلق على حادث الاغتيال، ولكنه أكَّد أن إسرائيل لا تريد توسيع رقعة الحرب، ولكنها مستعدة لكل الاحتمالات، وجاهزة للتعامل مع جميع السيناريوهات، في إشارة منه إلى أي رد محتمل من أي جهة.

وفي الوقت الذي نفت فيه الولايات المتحدة مشاركتها أو علمها المسبق بعملية اغتيال إسماعيل هنيَّة، يَرى محللون أن تل‌أبيب لم تكن لتقدم على عملية كبيرة بهذا الحجم إلَّا بعد تلقيها الضوء الأخضر من واشنطن.

المكاسب الإسرائيلية

أقدمت إسرائيل على عملية اغتيال إسماعيل هنيَّة في ظِل فشل عسكري في حرب غزة، تمثل في عدم قدرتها على تحقيق أهدافها، ومن ثم الوصل إلى النصر المنشود، الأمر الذي أدَّى إلى طول أمد الحرب، وتعرض إسرائيل لمشاكل داخلية وخارجية، بسبب عجزها عن القضاء على المقاومة واستعادة الأسرى، واستمرارها في حرب الإبادة التي تمارسها ضد المدنيّين.

ولهذا تُعد عملية اغتيال هنية إنجازًا استخبارتيًّا وعملياتيًّا لإسرائيل، التي تعاني منذ 10 أشهر في حربها في قطاع غزة. ويمكن ترويج هذا الاغتيال داخليًّا وخارجيًّا.

فعلى المستوى الداخلي، سوف تعمل إسرائيل على الاستفادة من هذا الإنجاز الاستخباراتي والعملياتي في الترويج لحالة من حالات النصر، التي تُرضي شريحة كبيرة من المتطرفين، الذين يعتبرن مثل هذه العمليات انتصارًا. وسوف تستخدمه في تحسين صورة المؤسسة العسكرية والأجهزة الأمنية التي تراجعت مستويات الثقة فيها بعد عملية “طوفان الأقصى” التي فشلت فيها هذه المؤسسات في حماية الأمن القومي الإسرائيلي.

وعلى المستوى الخارجي، تُعد عملية الاغتيال التي تزامنت مع محاولة اغتيال القيادي الكبير بحزب الله، فؤاد شكر، وبعد عملية قصف ميناء الحُديّدة باليمن، وسيلة لاستعادة صورة إسرائيل القادرة على الردع، والتي تمتلك اليد الطولى في المنطقة، والقادرة على تنفيذ عمليات معقدة وصعبة خارج حدود دولة الاحتلال وفي أي مكان يمثل تهديدًا لها.

الفشل الأمني الإيراني

لا يمكن وصف اغتيال إسماعيل هنيَّة على الأراضي الإيرانية إلَّا بأنه فشل أمني إيراني، يرقى إلى مرتبة الكارثة الأمنية والاستخباراتية؛ لأن هنيَّة شخصية كبيرة ومعروفة، وعلى قائمة المستهدفين بالاغتيالات من جانب إسرائيل.

ولهذا وَصَف موقع “إيران واير” المعارض للنظام الإيراني، حادث اغتيال هنيَّة بأنه أكبر فضيحة أمنية تحدث في إيران، لأنه كان ضيفًا على الجمهورية الإسلامية، التي عجزت عن حمايته، ولم تعد ملاذًا آمنًا لحلفائها من محور المقاومة الذين يكونون في حماية الحرس الثوري عند زيارتهم لطهران[5].

أعاد الحادث تسليط الضوء على تحذيرات سابقة لوزير الاستخبارات الإيراني السابق، علي يونسي، الذي صرح في يونيو 2021م، بأن نفوذ جهاز الاستخبارات الإسرائيلي (الموساد) قد وصل خلال السنوات العشر الماضية في أجزاء مختلفة من إيران إلى مستوى يجب معه على جميع المسؤولين الإيرانيّين أن يشعروا بالقلق على حياتهم.

بل وصل الاختراق الإسرائيلي إلى حد أن الرئيس الإيراني الأسبق، أحمد نجاد، صرح أن مسؤول مكافحة التجسس الإسرائيلي في وزارة الاستخبارات الإيرانية كان هو نفسه جاسوسًا لإسرائيل[6].

بهذا الحجم من الاختراق، لا يمكن أن نستبعد وجود متعاونين مع إسرائيل، من داخل إيران، ساعدوا في كشف مكان إقامة إسماعيل هنيَّة، وسهلوا عملية القصف، سواء كانت من الداخل أو الخارج، الأمر الذي أدَّى إلى إصابة الهدف بدقة كبيرة.

اختيار طهران مسرحًا للاغتيال

ثمَّة دلالات عديدة لاختيار الأراضي الإيرانية مسرحًا لاغتيال إسماعيل هنية، ما يدفع إلى القول بأن إيران هي المستهدفة من اغتيال هنيَّة في المقام الأول، وأن الحادث ينال من طهران أكثر بكثير مما ينال من حماس، لأسباب عديدة، منها:

  • أن تنفيذ الاغتيال في العاصمة طهران اعتداء على السيادة الإيرانية، ويَهز الصورة الذهنية لإيران بعنف أمام حلفاء النظام الإيراني وداعميه ومناصريه بالداخل والخارج.
  • أن تنفيذ الاغتيال في إيران يُحرج النظام الإيراني أمام حلفائه، ويُظهره في مظهر العاجز عن حماية نفسه، فضلًا عن قيادة محور مقاومة وحماية آخرين.
  • أن العملية فيها كثير من الإهانة لإيران، ما قد يستفزها من أجل الدخول في مواجهة إقليمية تتيح لإسرائيل الفرصة لضرب المشروع النووي الإيراني[7].
  • أن الاغتيال تمَّ في اليوم الأول لتولي الرئيس الإصلاحي مسعود بزشكيان مقاليد الرئاسة، لدفعه إلى اتخاذ قرارات تبعده عن الولايات المتحدة، وتحول دون تحسين العلاقات بين إيران والغرب والدول العربية[8].
  • أن الرد الإيراني على الهجوم قد يدفع الولايات المتحدة إلى الدخول في مواجهة مع إيران، كانت واشنطن ترفض الانجرار إليها رغم الضغوط الإسرائيلية.

وهذا لا يعني أن هنيَّة لم يكن مستهدفًا لذاته، ولكن وجوده في إيران المخترقة من جانب المخابرات الإسرائيلية سَهَّل العملية، وضاعف من نتيجتها، بتأثيرها على إيران والمقازمة معًا.

الرَّد الإيراني

ثمَّة توافق إيراني داخلي على أمرين، هما اتهام إسرائيل بالضلوع في حادث الاغتيال، وهو ما ورد في بيان وزارة الخارجية وتصريحات كبار القادة، وعلى رأسهم المرشد الأعلى ورئيس الجمهورية وكبار قيادات الحرس والمسؤولين البارزين.

والأمر الثاني هو ضرورة أن يكون هناك رد إيراني قوي على حادث الاغتيال، عبَّر عنه المرشد الأعلى، علي خامنئي، بالعقاب القاسي، ثأرًا لدماء هنيَّة، ووصفه الحرس الثوري بالموجع.

وبغض النظر عن عدم تحديد المكان الذي انطلق منه القصف، سواء كان إسرائيل أو غيرها، وعدم تبني تل‌أبيب للحادث بشكل رسمي، فإن الاغتيال يقف وراءه الإسرائيليون، ولهذا فإن إيران مطالبة الآن بالرد، لأن اغتيال هنيَّة تمَّ على الأراضي الإيرانية، وبعد مشاركته في مناسبة رسمية كبيرة، بوصفه واحدًا من كبار ضيوف الجمهورية الإسلامية، الأمر الذي يُعَد إهانة كبيرة لإيران واعتداءً على سيادتها من ناحيةٍ، وكارثة أمنية واستخبارتية وفشلًا في حماية ضيوفها الكبار من ناحيةٍ أخرى.

سوف يضع حادث الاغتيال طهران أمام أحد ثلاثة خيارات، إما الرد على إسرائيل بقوة، أو عدم الرد والصمت على هذه الإهانة، أو القيام برد لا يرقى لخطورة الحادث ولا يتناسب معه.

لا يعني حديث المسؤولين الإيرانيّين عن رد إيراني قوي أن مستوى الرد سوف يكون في مستوى التصريحات العلينة، وهو ما رأيناه من قبل، في عملية الرد على استهداف القنصلية الإيرانية في دمشق وقتل قادة كبار من قيادات فيلق القدس بالحرس الثوري.

وأقرب الاحتمالات هو أن ترد إيران على إسرائيل عن طريق محور المقاومة، في كل من لبنان والعراق واليمن وسوريا، بحيث لا تقترب المنطقة من الحرب الإقليمية المفتوحة، التي لا تريدها إيران، وهو ما أكده النائب الأول للرئيس الإيراني، محمد رضا عارف، الذي قال إن طهران “ليس لديها نيَّة لتصعيد الصراع في الشرق الأوسط”[9].

أثر الاعتيال على المقاومة

إذا انتقلنا إلى أثر عملية اغتيال إسماعيل هنيَّة على حركة حماس وحاضنتها الشعبية في غزة، في هذا التوقيت الذي تخوض فيه الحركة الحرب ضد إسرائيل، فسوف نجد أن هذا الاغتيال سوف يؤثر على المقاومة والحاضنة الشعبية تأثيرًا سلبيًّا، رغم ما تثيره مثل هذه العمليات من غضب في النفوس، ورغبة في الصمود وعدم الانكسار.

فالصمت على عمليات الاغتيال يمنح إسرائيل الجرأة على مواصلة خطتها لاستهداف القيادات، وهو ما يؤدي إلى خلل في المنظومة القيادية للحركة، رغم ما أبدته من قدرة في السابق على إحلال قيادات جديدة محل القيادات التي تستشهد، ولكن هذا الأمر قد يكون أسهل في وقت لا تخوض فيه المقاومة حرب إبادة مثل الحرب الحالية.

كما أن الصمت على الاغتيالات وعدم الرد عليها بالمثل قد يشكك الحاضنة الشعبية في قدرات المقاومة المستأمنة على حياتهم والمسؤولة عن المحافظة عليهم.

رد المقاومة

يوجد أمام المقاومة ثلاثة مسارات محتملة للرد على اغتيال إسماعيل هنيَّة، وهي:

  • الرد بالمثل واستهداف الإسرائيليّين في كل مكان يمكن الوصول إليهم فيه.
  • الرد المحدود داخل حدود فلسطين، واستهداف الإسرائيليّين في مناطق التماس.
  • عدم الرد كما حدث في حوادث سابقة.

وأقرب هذه المسارت في الظرف الراهن هو المسار الثالث؛ لأن الحركة لم يُعهد عنها الانخراط في عمليات اغتيال، ولا يُعرف حجم ما لديها من إمكانيات وخبرات للقيام بهذه العمليات، بالإضافة إلى انشغالها بالحرب في غزة. كما أنه الأقرب لسياسة حماس، التي تتحمَّل الخسائر في مقابل الفوائد التي تجنيها من علاقاتها الخارجية التي يمكن أن تتأثر باستخدام أراضي الدول مسرحًا للاغتيالات، وتعوض قياداتها، وتستثمر شهادتهم في تقوية روح الجهاد والتضحية عند أفرادها.

 أما المسار الأنسب فهو المسار الثاني، الذي يمكن السير فيه في ظل الاشتباكات العسكرية الحالية، لأنه لا يهدد علاقات الحركة بالخارج، ويأتي ضمن حقها المشروع في مقاومة الاحتلال، ولا يحتاج إلى كل التعقيدات الاستخباراتية والتكنولوجية التي تحتاجها الاغتيالات الخارجية، ويستفيد من حالة التماس مع الإسرائيليّين في الضفة وغزة والداخل المحتل.

هذا بالإضافة إلى أن الاغتيالات الداخلية يمكن أن تسهم في تبادل الردع، والضغط على إسرائيل لوقف خطتها للاغتيالات أو عدم التوسع فيها.

وعلى مستوى المقاومة وأنصارها، يمكن أن تؤدي مثل هذه العمليات إلى رفع الروح المعنوية لأفراد الحركة والدوائر المحيطة بها والمؤيدة لها.

مستقبل العلاقة مع إيران

تتحمَّل إيران جزءًا من المسؤولية عن اغتيال إسماعيل هنيَّة، بحكم التقصير الأمني، وهو ما قد يَدفع البعض إلى التفكير في مستقبل العلاقة بين إيران وحركة حماس.

لن يكون لاغتيال هنيَّة تأثير على متانة العلاقة بين طهران والمقاومة الفلسطينية؛ لأن إيران هي الداعم الأكبر لحماس في صراعها ضد الاحتلال، وهو ما تستفيد منه طهران حينًا، وتواجه التحديات والمشاكل بسببه حينًا آخر.

وأقصى ما يمكن أن يحدث من تغيير في هذه العلاقة بعد اغتيال هنيَّة، هو أن طهران لن تصبح ملاذًا آمنًا لقيادات المقاومة مرة أخرى.

لقد خسرت المقاومة باستشهاد هنيَّة في طهران خسارة كبيرة، في حادث لاشك في أنه كان نتيجة تقصير أمني من جانب النظام الإيراني، ونشاط استخباراتي إسرائيلي يعتمد على الخونة الإيرانيّين من الداخل، ولكن إيران خسرت هي الأخرى خسارة كبيرة، وربما أكبر من حماس، بسبب وقوع الحادث على أراضيها من جانب إسرائيل التي استغلت فرصة وجود هنيَّة في طهران، في وقتٍ كان فيه النظام الإيراني يقدم دعمًا سياسيًّا لقائد المقاومة من خلال استقباله على أعلى مستوى قيادي، ومعاملته معاملة كبار المسؤولين الدوليّين، كممثل شرعي للفلسطينيّين.

وإذا اعتبرنا أن الخسارة التي لحقت بحماس جرَّاء اغتيال هنيَّة قد تؤثر على علاقة المقاومة بطهران، فمن باب أولى أن تؤثر الخسائر الإيرانية بعد عملية “طوفان الأقصى” على هذه العلاقة؛ لأن إيران لم تُستشَر في القيام بالعملية، ومع ذلك تحمَّلت مسؤوليتها في دعم حركة حماس من خلال محور المقاومة الذي اشتبك مع إسرائيل، وخسرت عددًا من كبار قياداتها العسكرية الموجودة في سوريا ولبنان بسبب عمليات الإسناد التي تتم من أجل دعم المقاومة في غزة.

التبعات العسكرية والسياسية

سوف يؤدِّي اغتيال هنيَّة إلى تطورات على المستويين العسكري في قطاع غزة ومحاور المقاومة، والسياسي المتمثل في مفاوضات الهدنة وصفقة تبادل الأسرى.

فعلى المستوى العسكري، سوف تسعى حركة حماس إلى الرَّد من خلال محاور الاشتباكات في قطاع غزة، بالقيام بعمليات تدل على عدم تأثرها بالاغتيالات، ولتثبت للاحتلال أن اغتيال القيادات لن يكون وسيلة لكسر إرادتها في المعركة أو إملاء الشروط عليها.

وعلى المستوى السياسي، سوف يؤثر اغتيال هنية بشكل مباشر على مفاوضات الهدنة المعقدة والمتعثرة بالأساس، ليزداد الوضع جمودًا، ما سيؤدي إلى استمرار الحرب في غزة لأجل غير مسمى، وعرقلة صفقة تبادل الأسرى.

ولكن التطور الميداني لن يخرج عن حدود قواعد الاشتباكات الحالية؛ لأن حماس لا تملك في المرحلة الراهنة القدرة على القيام بعمليات اغتيال مماثلة، بالإضافة إلى أن التصعيد العسكري من جانب حماس في قطاع غزة له حدود، تفرضها ظروف المعركة والإمكانيات المتاحة للمقاومة في ظِل الحصار المفروض عليها.

كذلك من المنتظر أن يكون الرد الإيراني محدودًا أيضًا؛ لأن إيران لا تريد الدخول في حرب مفتوحة مع إسرائيل ومن ورائها الدول الغربية والدول العربية الحليفة في المنطقة. ويمكن أن تلجأ في هذه الحالة إلى التصعيد عن طريق محور المقاومة في لبنان والعراق واليمن وسوريا.

أما التعقيد والجمود على مستوى المفاوضات فلن يستمر طويلًا، ولن يصل الأمر إلى حد انسحاب المقاومة من المفاوضات بشكل نهائي؛ لأن الهدنة ووقف إطلاق النار هدف رئيس بالنسبة للمقاومة التي تريد وقف الحرب في غزة في أقرب وقت ممكن.

خاتمة

حادث اغتيال إسماعيل هنيَّة هو أكبر ضربة وجهتها إسرائيل للمقاومة الفلسطينية منذ بداية الحرب في غزة، وسوف يكون له تأثير سلبي على قيادة المقاومة والحاضنة الشعبية، حتى لو صدرت التصريحات بعكس ذلك، من أجل رفع الروح المعنوية وتقوية الصمود أثناء الحرب.

لا يمكن النظر إلى حادث اغتيال إسماعيل هنية من منظور الاستشهاد فقط؛ لأن تغييب قائد بحجم هنية عن الساحة في هذه المرحلة خسارة كبيرة على مستوى القيادة السياسية للحركة، في وقت تحتاج فيه القيادة العسكرية بالداخل إلى جهوده في ملف المفاوضات والدعم والإسناد والتحشيد على مستوى العالم، ومكسب إسرائيل على المستوى الاستخباراتي والعملياتي.

وبعد اغتيال صالح العاروري في معقل من معاقل حزب الله، واغتيال هنيَّة في قلب العاصمة طهران، لم يعد قادة المقاومة في أمان، خاصة وأن إسرائيل لم تعد تفرق بين قيادة عسكرية وأخرى سياسية في اغتيالاتها، ولهذا صارت هناك ضرورة ملحة لأن تتخذ الحركة إجراءات لمنع إسرائيل من الاستمرار في سياسة الاغتيالات، قد يكون أولاها هو إعادة النظر في استراتيجية عدم الرد على الاغتيالات بالمثل، والبحث في إمكانية القيام بعمليات اغتيال موجعة للاحتلال، في كل مكان يمكن الوصول إليه داخل فلسطين التاريخية، كمرحلة أولى، قد تليها مرحلة أخرى، هي اللجوء إلى الاغتيالات في كل أنحاء العالم.


[1] – الجزيرة، ماذا نعرف عن اغتيال إسماعيل هنية حتى الآن؟، 31 يوليو 2024، الرابط

[2] – سكاي نيوز عربية، تفاصيل جديدة.. كيف تم اغتيال إسماعيل هنية؟، 31 يوليو 2024، الرابط

[3] – الحرة، تم التخلص منه”.. المكتب الإعلامي في إسرائيل يحذف صورة مقتل هنية، 31 يوليو 2024، الرابط

[4] – وكالة الأناضول، وزير إسرائيلي يرحب باغتيال إسماعيل هنية في طهران، 31 يوليو 2024، الرابط

[5] – ايران واير، ترور هنیه در تهران؛ رسوایی امنیتی و آغوشی که دیگر امن نیست، 10 مرداد 1403ش، الرابط

[6] – الشرق للأخبار، وزير استخبارات إيراني سابق يحذر: الموساد الإسرائيلي تغلغل في بلادنا، 30 يونيو 2021، الرابط

[7] – خليل العناني، الصفحة الرسمية، تعليق على اغتيال هنية، الرابط

[8] – العربية، اغتيال هنية في طهران.. كيف اخترقت إسرائيل عمق إيران؟، 31 يوليو 2024، الرابط

[9] – الشرق للأخبار، نائب الرئيس الإيراني: طهران ليس لديها نية لتصعيد الصراع في المنطقة، 31 يوليو 2024، الرابط

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى