الخبر:
يوم 28 أكتوبر 2024، رست السفينة “كاثرين”، المحملة بمواد متفجرة ومتجهة إلى دولة الاحتلال الإسرائيلي، في ميناء الإسكندرية، لتفريغ حمولتها.
وذلك بعد رفض عدة دول استقبالها، من بينها مالطا وناميبيا وأنغولا، لكونها تحمل شحنة عسكرية وفي طريقها لتغذية آلة الحرب الإسرائيلية في حرب الإبادة التي يشنها الكيان الصهيوني على قطاع غزة ولبنان، وفقًا لبيان من “حركة مقاطعة إسرائيل” (BDS).
سماح مصر برسو السفينة “كاثرين” أثار تساؤلات وغضبًا في الشارع المصري والعربي؛ لأنه جاء في وقت تتزايد فيه الضغوط الدولية لمنع تدفق السلاح الذي يسهم في الإبادة الجماعية ضد 2.3 مليون فلسطيني في قطاع غزة المحاصر.
كان مستغربًا السماح لسفينة محملة بمواد عسكرية لدعم دولة الاحتلال باستخدام المياه والموانئ المصرية، أنها خطوة تضع السلطات المصرية تحت طائلة المسؤولية القانونية المباشرة حسب اتفاقية منع ومعاقبة الإبادة الجماعية.
بعدها بخمسة أيام، أثارت حادثة عبور سفينة الصواريخ الصهيونية (ساعر 5) من قناة السويس ورفعها العلم المصري إلى جانب العلم الإسرائيلي جدلًا عربيًّا ومصريًّا صاخبًا، ووجهت اتهامات لنظام عبد الفتاح السيسي بالخيانة.
كان السماح بعبور البارجة الإسرائيلية (ساعر 5) لقناة السويس بحجَّة التزام مصر باتفاقية القسطنطينية مستغربًا؛ لأن إسرائيل خرقت القانون الدولي ولم تلتزم باتفاقية كامب ديفيد واحتلت محور فيلادلفيا، كما أن نفس النظام منع مرور سفن تركية وفرنسية وضيَّق على السفن القطرية؛ وهو ما يعني التواطؤ مع الاحتلال ضد الفلسطينيّين.
والتساؤل المطروح الآن هو: هل تبرير مرور سفن إسرائيل الحربية بحجَّة اتفاقية القسطنطينية يَعني أن تسمح مصر لسفن حربية إيرانية أو حوثية بالمرور في القناة أيضًا وهي تحمل أسلحة؟
التعقيب:
أصدرت السلطات المصرية ثلاثة بيانات رسمية متضاربة حول السفينة “كاثرين” دون أن تقدم إجابة واضحة، حيث نفت رسوها ثم أكدته، ثم أطلقت لجانها لتقول إنها سفينة أخرى باسم أخر وليست تلك التي تحمل السلاح لإسرائيل أو أن شحنة السلاح التي كانت تحملها لمصر لا لإسرائيل.
أول بيان صدر كان من “مصدر رفيع المستوى”، عبر قناة القاهرة الإخبارية، التابعة لشركة تابعة للمخابرات، ويُقصَد به مصدر استخباراتي. وقد نفى هذا المصدر من الأصل صحة نبأ استقبال ميناء الإسكندرية للسفينة كاثرين الألمانية، التي تحمل مواد عسكرية لصالح إسرائيل، “كما تردد في بعض وسائل الإعلام المُغرِضة”، وفق قوله.
المصدر اتهم – كالعادة- “العناصر والأبواق المناهضة للدولة المصرية” بترديد “هذه الأكاذيب في محاولة لتشويه الدور المصري التاريخي والراسخ في دعم القضية والشعب الفلسطيني”.
أعقب هذا نشر المتحدث باسم الجيش بيانًا غير واضح، لم يذكر اسم السفينة “كاثرين”، واكتفي بـ: “تنفي القوات المسلحة المصرية بشكل قاطع ما تمَّ تداوله على وسائل التواصل الاجتماعي والحسابات المشبوهة بشأن تقديم أي مساعدة لإسرائيل في عملياتها العسكرية. وتؤكد عدم وجود أي شكل من أشكال التعاون مع إسرائيل”.
أكثر البيانات تضاربًا كان بيان وزارة النقل المصرية، التي نفت وأكدت في نفس الوقت استقبال السفينة.
في البداية نفي بيان الوزارة “ما تمَّ نشره عبر وسائل التواصل الاجتماعي بشأن سماح الحكومة المصرية لسفينة ألمانية بالرسو في ميناء الإسكندرية”، وأكد أن هذا الخبر غير صحيح”، وهو نفس ما قاله الـ”مصدر رفيع المستوي” الاستخباري.
ثم تبع هذا النفي تأكيد “النقل” أن “السفينة كاثرين برتغالية الجنسية وترفع العلم الألماني رَسَت في ميناء الإسكندرية لتفريغ شحنة لصالح وزارة الإنتاج الحربي”.
الأمر المؤكد أن السفينة رَسَت في مصر، لكن المختلف عليه: هل هذه الشحنة تخص مصر أم إسرائيل؟ ما يؤكد صحة ما نشرته “حركة مقاطعة إسرائيل”، إلَّا أن البيانات الثلاثة أظهرت تضاربًا غير مفهوم حول السفينة.
نفي القوات المسلحة المصرية، 31 أكتوبر 2024، رسميًّا ما تردد عن التواطؤ في إدخال سفينة كاثرين المحملة بالسلاح لإسرائيل عبر الرصيف الحربي بميناء الإسكندرية، ونفيها “وجود أي شكل من التعاون مع إسرائيل”، يقدمان عدة مؤشرات:
منها أن الواقعة سببت حرجًا شديدًا للجيش وأظهرته شريكًا في إبادة غزة، حيث كتب الناشط السياسي أحمد دومة يقول: “السلطة شريكة في الإبادة، مش مجرّد متواطئة ولا خائنة، بعد الحصار والإخراس والتسليم في الوساطة، شريكة مباشرة”.
كما تقدم ستة محامين، ببلاغ للنائب العام ضد رئيس مجلس الوزراء، مصطفى مدبولي بصفته مسؤولًا عن وزارة الدفاع أيضًا، ورئيسًا لهيئة ميناء الإسكندرية، والمدير التنفيذي للمكتب المصري للاستشارات البحرية EMCO، على خلفية واقعة رسو السفينة «كاثرين» في ميناء الإسكندرية (تم حفظه وإهماله).
كان مستغربًا حفظ النائب العام هذا البلاغ، بعدما طالبه المحامي خالد علي بالتحرك للتحقيق في مدى صحة تلك الوقائع، ومصادرة محتويات السفينة لكونها تحمل أسلحة ومتفجرات سوف تستخدم في جرائم عدوان، ويمكن الاستناد إلى حكم محكمة العدل الدولية؟ ومطالبته النائب العام بوضع الشركة المصرية (الوكيل الملاحي) على قائمة الكيانات الإرهابية.
لم يوضح بيان المتحدث العسكري وأبواق الحكومة التي نفت أي شيء عن السفينة، اسم الجهة التي استخدمت الرصيف الحربي رقم 22 بميناء الاسكندرية منذ يوم 29 أكتوبر 2024، حيث تمَّ استقبال السفينةMV Kathrin وفق بيانات وزارة النقل عبر موقع ميناء الاسكندرية كما رصده نشطاء عبر الأقمار الصناعية.
كان ملفتًا أن بيان الجيش قد جاء بعد غياب عبَّاس كامل، ساعِد السيسي الأيمن ومدير المخابرات، والحديث عن مؤشرات بشأن تغييرات جارية حاليًا في ملف الإعلام والصحافة بالاستخبارات العسكرية، تشمل إقالة “ضابط السامسونج” العقيد أحمد شعبان، ليلحق بعبَّاس كامل، وهما اللذان كان ينسب لهما عبارة “مصدر رفيع المستوي”.
كانت الواقعة الأشد إغضابًا للمصريين والعرب هي انتشار فيديو لمرور السفينة الحربية الإسرائيلية “ساعر” حاملة الصواريخ في قناة السويس بحماية الجيش المصري، وظهر هذا في تعبيرات من صوروا الفيديو وهم يسبون الصهاينة.
أثار تزرع بيان قناة السويس باتفاقية القسطنطينية لتبرير مرور البارجة الحربية الإسرائيلية غضبًا أكبر؛ لأن اتفاقية القسطنطينية التي تمَّ توقيعها عام 1888 لتنظيم حركة الملاحة في وقت السلم والحرب، تضمنت بنودًا تسمح لمصر بمنع مرور سفن حربية من قناة السويس في بعض الحالات.
منع “القسطنطينية” مرور السفن التابعة لدولة في حالة حرب مباشرة مع مصر، أو أن تحمل السفينة بعض المواد الخطرة ما يهدد الأمن القومي المصري، سلاح كان يمكن لمصر استخدامه بمنع السفينة الإسرائيلية، خاصَّة أن إسرائيل انتهكت اتفاقية السلام واحتلت محور فيلادلفيا وسيطرت على معبر رفح.
عدم تصديق المصريّين كل مبررات السلطة بشأن تعاونها مع الاحتلال وتعليقهم على مرور السفينة الحربية بعبارة: “يا ولاد الكلب ده علم اسرائيل”، يشير لفجوة كبيرة بين عداء المصريين لإسرائيل، وبين ما يفعله نظام السيسي من تنفيذ لمصالح إسرائيل والغرب في مصر والتواطؤ في إبادة غزة.
أثبتت حوادث استقبال مصر سفن “كاثرين” و”ساعر” فشل إعلام السلطة في تبرير الفضيحة وتورطه في إثارة سخط الشعب أكثر، وفشله في تجسير الهوَّة بين الشعب ونظام السيسي للدرجة التي فقد فيها الإعلام مصداقيته الكاملة.
وبسبب الإحراج الذي سببه مرور السفينة الإسرائيلية، لم تجد السلطة ما تقوله، فكلفت أحمد موسى، ليبرر الكارثة، فزاد الطين بله، بحديثه عن التخوُّف من تدويل قناة السويس وعجز مصر.
الدكتور عصام عبد الشافي، قال إن النظام الحاكم في مصر، الذي يتذرع بهذه الاتفاقية لتمرير الأسلحة للكيان الصهيوني، هو نفسه من قام بحظر مرور السفن القطرية والتركية، أثناء الأزمة السياسية مع الدولتين، بحجَّة أن هناك مقاطعة لدولة قطر، حينما كان يُفرض عليها الحصار، وبالتالي الأولوية ليست للنصوص القانونية، ولكن للاعتبارات السياسية.
أكد عبدالشافي أيضًا أن نصوص اتفاقية القسطنطينية الخاصة (التي وقع عليها الاحتلال البريطاني نيابة عن مصر) يستحيل تطبيقها، مثل المادة، 4، 5، 6، 7، 8، 9، 10، مع سقوط الأطراف التي يمكنها تنفيذ هذه البنود، ولا يُعتَد هنا بمبدأ التوارث الدولي؛ لأن الاتفاقية لم تنص عليه.
جدير بالذكر أم مصر منعت مرور سفن من دول مختلفة في السابق، لأسباب أقل أهمية، مثل مَنْع حاملة طائرات فرنسية عام 2006 من عبور قناة السويس لاحتمال احتوائها على نفايات خطرة، ولم تعترض فرنسا أو تحتج باتفاقية القسطنطينية، ومَنْع سفن إيرانية من المرور في عهد مبارك أيضًا، كما رفضت مصر السماح لسفن قطرية أثناء الخلاف معها بالرسو في مواني مصر بحجَّة الأمن القومي المصري.