مقدمة
الدراسة التحليلية المقارنة للنصوص القانونية التي تمَّ إنتاجها خلال الفترة من 2014 إلى 2024، تكشف اتجاهات السلطة نحو حقوق الشعب المصري، والحريات العامة، خاصَّة حرية الإعلام؛ ذلك أن تقييد هذه الحرية يؤدي إلى التحكم في الأنباء والمعلومات والمعرفة التي يحصل عليها الشعب.
وبالرغم من أن السلطة حافظت علي النصوص القانونية المقيّدة للحريات التي تمَّ إنتاجها منذ عام 1936 في قانون العقوبات، إلَّا أنها قامت بإنتاج نصوص قانونية جديدة؛ تسهم في زيادة تحكمها في تدفق المعرفة للجماهير والسيطرة علي وسائل الإعلام.
لذلك تراكمت في مصر الكثير من النصوص القانونية التي لم تعد تتناسب مع معطيات العصر وتحديات الواقع، وأصبح وجودها يقلل قدرة الدولة علي بناء قوتها الإعلامية.
وهذه الدراسة تشكل خطوة نحو مراجعة النصوص القانونية؛ خاصَّة ما يتعلق منها بالحريات العامة وحقوق الانسان، فالانطلاق نحو المستقبل يحتاج إلى التخلص من الكثير من القيود، وإلغاء النصوص التي تقلل من قدرة الدولة علي بناء نظام إعلامي جديد يوفر المعرفة للجمهور، ويسهم في بناء مجتمع المعرفة.
كما أن هذه الدراسة يمكن أن تسهم في توضيح الخصائص التي يجب الالتزام بها في صياغة النصوص القانونية؛ ومن أهمها حاجة المجتمع لذلك النص، والمصلحة العامة التي يحميها، ومدي استجابته لتحديات العصر.
في ضوء ذلك، يمكن أن تتضح أهمية الدور الذي يجب أن يقوم به برلمان منتخب – في فترة قادمة بعد سقوط سلطة الانقلاب، والتحول إلى مرحلة ديموقراطية جديدة – في مراجعة كل القوانين، وإلغاء النصوص التي تقيّد كفاح الشعب، لبناء مستقبله على قواعد الحرية والعدل وحماية وحدة المجتمع وتماسكه.
وتشكل هذه الدراسة بداية لمراجعة النصوص القانونية التي تؤثر علي حقوق الإنسان، والحريات العامة، خاصَّة حرية الإعلام في علاقتها بالدستور والمجتمع، ومدي صلاحيتها لتوفير الحماية للجمهور، وتوفير الأساس لزيادة القوة الإعلامية والمعرفية للدولة، وبناء نظام إعلامي وطني.
في ضوء ذلك يمكن أن نحدد أهداف الدراسة فيما يلي:
- اكتشاف العلاقة بين القانون والدستور، وتأثير تلك العلاقة علي حماية الحريات العامة، خاصَّة حرية الاعلام.
- اكتشاف أساليب استخدام السلطة للنصوص القانونية في التحكم في الحقوق الإعلامية والاتصالية للشعب المصري.
- تطوير الأساس العلمي لبناء مستقبل الإعلام في مصر، ووظائف وسائل الإعلام؛ من خلال اكتشاف دور التشريع في حماية تنوع وسائل الإعلام، وحق الجمهور في المعرفة.
- اكتشاف علاقة السلطة بالإعلام من خلال تحليل النصوص القانونية التي تمَّ إنتاجها خلال الفترة من 2014 إلى 2024.
تساؤلات الدراسة
لتحقيق تلك الأهداف، تسعي الدراسة لتقديم إجابات متعمقة للأسئلة التالية:
- كيف استخدمت السلطة النصوص القانونية للتحكم في الصحف ووسائل الإعلام؟
- ما علاقة هذه النصوص القانونية بالديموقراطية والحرية والتعددية والتنوع؟
- ما مدي شرعية النصوص القانونية المقيّدة لحرية الإعلام في ضوء الدستور؟
- ما تأثير هذه النصوص القانونية علي حق الجمهور المصري في المعرفة؟
- ما مدي صلاحية هذه النصوص القانونية لبناء نظام إعلامي وطني يستجيب لتحديات القرن الحادي والعشرين، ولبناء مجتمع المعرفة؟
- كيف تؤثر هذه النصوص القانونية علي كفاح الشعب المصري؟
منهجية الدراسة
تستخدم الدراسة مبدأ تكامل المناهج لتوصيف النظام الإعلامي المصري؛ حيث تمَّ استخدام المنظور التاريخي بهدف رصد جذور استخدام السلطة للنصوص القانونية في تشكيل النظام الإعلامي المصري، مثل سيطرة السلطة علي المؤسسات الصحفية (القومية) ومحطات الإذاعة وقنوات التليفزيون التابعة لاتحاد الإذاعة والتليفزيون.
كما تمَّ استخدام التحليل الوثائقي Documentary analysis في تحليل النصوص الدستورية والقانونية التي تشكل أساس النظام الإعلامي المصري.
ولأن الفترة من 2014 إلى2024 تشكل حالة للدراسةCase study ، فقد تمَّ التركيز علي عملية إنتاج النصوص القانونية المتعلقة بالإعلام خلال هذه الفترة.. لكن بهدف بناء صورة عامة شاملة للنظام الإعلامي، مع مراعاة الاختصار والتركيز؛ نظرًا لطبيعة هذه الدراسة التي جعلت من الصعب عرض الكثير من المعلومات والوصف التفصيلي.
المبحث الأول
العلاقة بين الدستور ونصوص القوانين وتأثيرها علي حرية الإعلام
(2014-2024)
تجربة الصحافة المصرية توشك أن تكمل قرنين من الزمان، شهدت خلالهما تحولات مهمة، وقدمت للأمة العربية نماذج ساهمت في تطوير الصحافة العربية بشكل عام، فتأثر الصحفيون العرب بهذه التجربة في كفاحهم لتطوير صحفهم.
من أهم تلك التجارب، نموذج صحافة الكفاح الوطني، الذي بدأ بإصدار الحركة الوطنية جريدة “المؤيد” عام 1889، ثم إصدار جريدة “اللواء” عام 1900؛ فهذا النموذج كان ملهمًا للحركات الوطنية في بعض الدول العربية، مثل الجزائر.. لكن سلطات الاحتلال الانجليزي قامت بوضع نهاية لتلك التجربة؛ بعد أن اتضح لها كيف استخدم الشعب المصري الصحافة في كفاحه ضد الاحتلال؛ فتمكنت الصحافة المصرية في تلك الفترة من إجبار الحكومة البريطانية علي إقالة اللورد كرومر، المندوب السامي البريطاني والحاكم الفعلي لمصر، عام 1906، بعد مذبحة دنشواي.
واستخدمت سلطة الاحتلال البريطاني في إنهاء تلك التجربة قانون المطبوعات الصادر عام 1881، في تطبيق نصوصه لتقييد حق المصريين في إصدار الصحف. واحتجاجًا علي إعادة العمل بذلك القانون، قامت أول مظاهرة في العالم تطالب بحرية الصحافة وإلغاء قانون المطبوعات عام 1909؛ فواجهها الانجليز بكل قوة، وقامت السلطات باعتقال عدد من الصحفيين.. لكن السلطة في مصر ظلت تنتج نصوصًا قانونية مستقاة من ذلك القانون، وتسير علي ضوئه في تقييد حرية الرأي والتعبير والصحافة.. كما استمرت في المحافظة على نصوص قانون العقوبات ومعظمها مستقاة من القانون الفرنسي الصادر عام 1851.
وبالرغم من أن دستور 1923 كان أهم إنجازات ثورة 1919، والذي كفل حريات الرأي والتعبير والصحافة؛ إلَّا أن السلطات ظلت تحافظ علي نصوص قانونية في قوانين المطبوعات والعقوبات تتعارض مع نصوص هذا الدستور[1].
واستمرت ظاهرة التعارض بين النصوص الدستورية والقانونية في النظام المصري خلال الفترة من 1952 إلى 2011؛ واستخدام السلطة للنصوص القانونية في تقييد ما أباحه الدستور، وانتهاك الكفالة الدستورية لحريات الرأي والتعبير والصحافة والإعلام، وحافظت السلطة علي الكثير من النصوص القانونية الموروثة منذ عهد الاستعمار، ولم تقم بمراجعتها لإزالة التعارض بين الدستور والقانون.
ثورة 2011 إنجاز لم يكتمل
تشكل ثورة 25 يناير 2011 بداية مرحلة جديدة شهدت الكثير من الأحداث التي أثرت علي النظام السياسي المصري؛ الذي تحول من نظام سلطوي توجد به بعض سمات الديموقراطية المحدودة قبل تلك الثورة إلىنظام ديموقراطي بعدها، حيث شهد انتخابات نيابية ورئاسية نزيهة، وتمَّ فيها إطلاق حرية الإعلام (2011-2013)، ثم تحول بعد ذلك إلى نظام سلطوي شمولي مغلق بعد الانقلاب العسكري في 2013، فكيف أثرت تلك التحولات علي ظاهرة استخدام السلطة للنصوص القانونية في تقييد الحريات التي كفلها الدستور؟
بالرغم من أن هناك مؤشرات علي وعي النواب في مجلس الشعب المصري (2011-2012) بأهمية إزالة ذلك التعارض، وإعادة بناء التشريعات علي أساس حماية الحريات وليس تقييدها؛ إلَّا أن قرار المحكمة الدستورية بحل مجلس الشعب في 2012 أجهض تلك التجربة.
ولقد كانت هناك ضرورة لمراجعة كل النصوص القانونية التي تمَّ إنتاجها قبل ثورة 2011؛ حيث أوضحت تلك الثورة أن الإعلام المصري لم يستجب للتطورات العالمية في مجال الاتصال، وأنه لم يتمكن من التعبير عن الرأي العام الكامن، ولم يُشبع احتياجات الجماهير للمعرفة، لذلك كان هناك قدر من الاتفاق على دور وسائل التواصل الاجتماعي في التمهيد للثورة، ونقل أحداثها للجمهور، ولوسائل الإعلام الأجنبية[2].
بذلك حولت وسائل التواصل الاجتماعي القوة من النظم العربية السلطوية إلى الناس العاديّين الذين يطالبون بالحرية والعدالة الاجتماعية، فتمكنوا من استخدام هذه الوسائل؛ لتنظيم انتفاضات اجتماعية؛ لتحقيق أهداف سياسية أهمها الديموقراطية[3].
كما أوضحت ثورة 25 يناير خطورة سيطرة السلطة على وسائل الإعلام، مما أدي إلى فتح المجال لزيادة دور وسائل الإعلام الرقمية في تحقيق التغيير الاجتماعي والسياسي[4].
كما أوضحت هذه الثورة موقف الشعب المصري من وسائل إعلامه؛ حيث حمل المتظاهرون لافتات تصف هذه الوسائل بالكذب، وأنها من كوكب آخر، فهذه الوسائل لم تتمكن من تغطية أحداث الثورة؛ حيث اعتبرت المظاهرات ضد الرئيس الأسبق حسني مبارك – كما قالت صحيفة واشنطن بوست – ليست حدثًا يستحق التغطية، واتهمت المتظاهرين بتنفيذ مؤامرة ضد الحكومة[5].
ووجهت القنوات التليفزيونية المصرية الكاميرات نحو النيل الهادئ؛ لتصوير الواقع في مصر بأنه مستقر، ونفي وجود ثورة ضد حسني مبارك، وإنكار وجود المظاهرات الحاشدة في ميدان التحرير الذي يقع بجوار مبني ماسبيرو الذي تُبَث منه معظم القنوات التليفزيونية التابعة للسلطة والمملوكة للدولة.
لذلك تعرَّضت مصداقية الصحافة وقنوات التليفزيون المصرية لاختبار صعب، حيث كشفت الثورة أن هذه الوسائل الإعلامية لا تقوم بوظائفها، ومن أهمها الوفاء بحق الجماهير في المعرفة؛ فلا تقوم بتغطية الأحداث، وتوفير المعلومات عنها للمواطنين.
لكن الثورة فتحت المجال أمام الصحافة المصرية لتجديد نفسها، وتطوير علاقتها بالشعب، فوفرت الفرص لصدور صحف جديدة؛ حيث تزايد عدد الصحف من 14 صحيفة يومية عام 2003 إلى 19 صحيفة عام 2009، إلى 35 صحيفة عام 2013.
وتزايد توزيع الصحف خلال الفترة من 3,627 مليون نسخة في عام 2007 إلى 4,177 مليون في عام 2010، إلى 4,686 مليون نسخة في عام 2013.
وبدأت تيارات فكرية وسياسية تعبر عن نفسها باستخدام الصحافة، مثل التيار الإسلامي، الذي حرمته السلطة من حقه في إصدار الصحف منذ عام 1954 حتي عام 2011.
كما أن الصحف القومية بدأت تفتح المجال أمام كُتَّاب جدد، وجذبت اهتمام الجماهير، فتزايد توزيع هذه الصحف، وهذا يوضح أن الحرية أهم أسس تطور الصحافة، ومن الواضح أن الحرية التي تمتعت بها الصحافة المصرية (2011 – 1013) لم تشهدها من قبل، حتي خلال الفترة الليبرالية (1923 – 1952).
لقد ارتبطت حرية الصحافة بعملية تحول النظام السياسي إلى نظام ديموقراطي، حيث شهدت مصر انتخابات حرة نيابية ورئاسية، واستفتاءً على دستور 2012، لذلك كان يمكن أن يطلق على النظام الصحفى فى مصر أنه “نظام انتقالي”، لكن لم يكن من الواضح إلى أين يذهب[6].
هذه الحقائق التي كشفتها ثورة 25 يناير 2011، كانت تفرض ضرورة مراجعة كل النصوص القانونية التي تراكمت في مصر لفتح مجالات جديدة أمام الشعب المصري في كفاحه لتحقيق الحرية والديمقراطية والاستقلال الشامل وبناء مجتمع المعرفة.
وجاء الانقلاب العسكري في يوليو 2013 ليقطع الطريق؛ وينتهك حق المجتمع المصري في الإصلاح التشريعي وحماية الحريات، وبناء أساس قانوني لنظام إعلامي يحقق القوة للدولة، ويوفر المعرفة للجماهير.
المبحث الثاني
دستور 2014 والنصوص القانونية المقيدة لحرية الإعلام
بعد الانقلاب العسكري، قامت السلطة بتشكيل لجنة لوضع دستور جديد بعد إلغاء دستور 2013.. فما النصوص التي تضمنها دستور 2014 التي تتناول الحريات العامة وحرية الإعلام؟ وما مدي التزام السلطة بنصوص هذا الدستور في القوانين التي أصدرتها؟ وما مدي التناقض بين نصوص هذا الدستور والقوانين؟
نصَّت المادة (70) من دستور 2014 علي أن “حرية الصحافة والطباعة والنشر الورقي والمرئي والمسموع والإلكتروني مكفولة، وللمصريّين من أشخاص طبيعية واعتبارية عامة أو خاصة، حق ملكية وإصدار الصحف، وإنشاء وسائل الإعلام المرئية والمسموعة، ووسائط الإعلام الرقمي. وتصدر الصحف بمجرد الإخطار على النحو الذي ينظمه القانون، وينظم القانون إجراءات إنشاء وتملك محطات البث الإذاعي والمرئي والصحف الإلكترونية”.
وهذا يعني أن كلَّ نصٍّ قانوني يقيد الكفالة الدستورية لحرية الصحافة، وحقَّ كل مواطن في ملكية وإصدار الصحف، وإنشاء وسائل الإعلام المرئية والمسموعة ووسائط الإعلام الرقمي، أصبح غير دستوري، ويفتقد الشرعية ويجب إلغاؤه.
أمَّا المادة (71) من دستور 2014، فقد نصَّت على لأنه “يحظر بأي وجه الرقابة علي الصحف ووسائل الإعلام المصرية، أو مصادرتها، أو وقفها، أو إغلاقها، ويجوز استثناء فرض رقابة محددة عليها في زمن الحرب، أو التعبئة العامة.
ولا توقع عقوبة سالبة للحرية في الجرائم التي ترتكب بطريق النشر أو العلانية، أمَّا الجرائم المتعلقة بالتحريض على العنف، أو بالتمييز بين المواطنين، أو بالطعن في أعراض الأفراد فيحدد عقوبتها القانون[7].
إن دستور 2014 أخذ بأسس النظرية الليبرالية، ونصوصه تكفل حرية الصحافة والإعلام بشكل عام، لذلك يصبح أي نص قانوني، أو إجراء سلطوي يقيد هذه الحرية غير دستوري.. فالكفالة الدستورية العامة لحرية الصحافة والإعلام تفرض علي المشرع القانوني إلغاء أي نص يتناقض معها، أو يقيد هذه الحرية، كما أن أي إجراء سلطوي يقيد حرية الصحافة يشكل انتهاكًا للدستور.
كما ينص دستور 2014 علي إطلاق حرية الأشخاص المصريين الطبيعيين والاعتباريين في إصدار الصحف وإنشاء وسائل الإعلام، وتملكها بجميع أنواعها بمجرد الإخطار.. وهذا يعني أن أية قيود على هذا الحق أصبحت غير دستورية.
كما ينص دستور 2014 على حظر الرقابة على الصحف ووسائل الإعلام، مع إجازة ذلك علي سبيل الاستثناء وبشكل محدود في زمن الحرب أو التعبئة العامة. وبذلك أخذ المشرع الدستوري بنظرية الضرورة التي يجب أن تقدر بقدرها، ولا يجوز التوسع في استخدامها حتى لا تؤدي إلى إلغاء النص الدستوري.
كما حظر دستور 2014 توقيع أية عقوبة سالبة للحرية (الحبس أو السجن) في الجرائم التي ترتكب بطريق النشر أو العلانية (يشمل ذلك الصحافة ونشر الكتب والإذاعة والتليفزيون والإعلام الجديد بكل وسائله).
وبذلك تصبح أية عقوبات تعرض لها الصحفيون في مصر – طبقًا لدستور 2014 – غير دستورية، وتشكل انتهاكًا لنص دستوري، كما يصبح أي نص قانوني يبيح حبس الصحفيين أو سجنهم غير دستوري.
لكن لماذا أرادت سلطات الانقلاب العسكري أن يتضمن الدستور هذه النصوص الدستورية الليبرالية البراقة؛ في الوقت الذي حافظت فيه على النصوص القانونية التي تتناقض مع الدستور، وتقيد ما أباحه، وتنتهك كفالته للحريات، وأصدرت قوانين تصادر الحريات التي كفلها الدستور؟
يمكن تفسير ذلك بما يلي:
- أن السلطة أرادت خداع المؤسسات الغربية التي تراقب التزام الدول بالحريات العامة وحرية الإعلام.. وهذه المؤسسات واجهت بالفعل حيرة شديدة، فهي أمام نصوص دستورية ليبرالية تكفل الحريات، في الوقت الذي تستخدم فيه النصوص القانونية والإجراءات الإدارية لتقييد الحريات العامة، خاصَّة حرية الإعلام.
- أن السلطات تدرك منذ البداية أنها تمتلك النصوص القانونية التي تستخدمها في إجهاض النصوص الدستورية، وأن المجالس النيابية التي شكلتها لا يمكن أن تقوم بدورها في مراجعة القوانين في ضوء الدستور.
- أن المحكمة الدستورية تتحكم فيها السلطة؛ فلا يمكن أن تقوم بمراجعة النصوص القانونية والحكم بعدم دستوريتها، بالرغم من وضوح عدم دستورية الكثير من النصوص القانونية، وتناقضها مع النصوص الدستورية.
- تستخدم السلطة والقانونيون التابعون لها حجة أن النص الدستوري يحيل إلى القانون في تنظيم الحريات التي كفلها، وهي حجة قديمة سبق أن تمَّ استخدامها في كل العصور، بالرغم من الاتفاق في كل دول العالم على أن إحالة النص الدستوري للقانون يكون بهدف التنظيم وليس التقييد، وهناك فرق كبير بينهما، فعلى سبيل المثال؛ فإن إنشاء وسيلة إعلامية يجب ألَّا يكون مرتبطًا بإرادة السلطة؛ فذلك ما ينص عليه الدستور، لكن يمكن أن يلزم القانون المواطن الذي يريد إنشاء الوسيلة بإخطار السلطة قبل إنشاء الوسيلة. أمَّا في بريطانيا فينص القانون على إخطار السلطة بعد إنشاء الوسيلة الإعلامية، بهدف إصدار الحكومة لإحصائيات عن الوسائل الإعلامية التي تعمل في بريطانيا، ولمعرفة عناوين هذه الوسائل في حالة صدور أحكام قضائية ضدها.
لكن مراجعة القوانين المصرية توضح أن هدفها التقييد وليس التنظيم؛ لذلك فهي تنتهك النصوص الدستورية.
المبحث الثالث
النصوص القانونية تتناقض مع الدستور
بالرغم من هذه النصوص الدستورية الواضحة، حافظت السلطة في مصر علي ترسانة من القوانين الموروثة من فترات سابقة، يرجع بعضها إلى عهد الاحتلال البريطاني، والتي تتضمن الكثير من النصوص التي تستخدمها السلطة في تقييد حرية الإعلام، وفي معاقبة الإعلاميّين، ومنها عقوبات أصبحت محظورة دستوريًّا (بنص المادة 71 من دستور 2014)؛ ولكن بدلًا من أن يقوم المشرع القانوني (البرلمان) بمراجعة هذه القوانين لإلغاء كل ما يتعارض منها مع الدستور، فإنه قام بإصدار قوانين جديدة تتضمن قيودًا على حرية الإعلام والإعلاميّين.
كما أن السلطة لم تلتزم بالدستور، فقامت بحبس الصحفيّين احتياطيًّا وعدم السماح للمصريّين بإصدار صحف جديدة، وفرض الرقابة على الصحف.
وهكذا فإن الإجراءات الإدارية التي استخدمتها السلطة بشكل مباشر في تقييد الصحافة والإعلام تتناقض مع الدستور، واستندت السلطة في تطبيق هذه الإجراءات الاستثنائية – ومن بينها فرض الرقابة على الصحف والمطبوعات ووسائل الإعلام – على قانون الطوارئ.
ودراسة تاريخ مصر توضح أن البلاد عاشت في ظل حالة الطوارئ منذ عام 1952، ولم يتم رفعها إلَّا في فترات قليلة، أهمها الفترة التي أعقبت ثورة 25 يناير 2011، حتى تمَّ فرضها مرة أخرى بعد 3 يوليو 2013.
ثم قامت السلطة باصدار مجموعة من القوانين، تضمَّنت معظم نصوص قانون الطوارئ، بهدف تحويلها إلى حالة ثابتة، من أهمها ما يلي:
1. قانون التظاهر: الذي تمَّ استخدامه في اقتحام قوات الأمن لنقابة الصحفيين المصريين، للقبض على الصحفيين عمرو بدر ومحمود السقا، لمشاركتهما في الدعوة للتظاهر ضد تنازل مصر عن سيادتها على جزيرتي تيران وصنافير للسعودية[8].
كما تمَّ توجيه اتهامات لسبعة صحفيين بالدعوة لهذه التظاهرات باستخدام وسائل التواصل الاجتماعي.
2. قانون مكافحة الإرهاب رقم 94 لسنة 2015 وتعديلاته: الذي يتضمن نصوصًا تتيح للسلطة تقييد حرية الرأي والتعبير والصحافة. وكانت نقابة الصحفيين قد وصفت هذا القانون بأنه مخالف للدستور، وأنه يضرب حرية الصحافة في مقتل.
ويحظر هذا القانون علي الصحفيين نشر أية معلومات تخالف البيانات الحكومية بشأن مواجهتها لأية عمليات إرهابية، ويعاقب مَن يخالف ذلك بالسجن لمدة لا تقل عن عامين.
كما يحظر قانون الإرهاب نشر أو ترويج أخبار تتعلق بالإرهاب مناقضة لبيانات وزارة الدفاع، وهذا يعني فرض الرقابة على الصحف ووسائل الإعلام.
كما يفرض غرامات كبيرة تتراوح من 200 ألف إلى 500 ألف جنيه علي مَن ينشر أخبارًا أو بيانات غير حقيقية عن أعمال إرهابية[9].
هذا يعني أن السلطة لم تكتف بالنصوص التي تراكمت في القوانين المختلفة، مثل قانون العقوبات، فقامت بإصدار قوانين جديدة تمكنها من السيطرة بشكل كامل على الصحافة، والتحكم في الصحفيين، وأدي ذلك إلى إشاعة مناخ قانوني يقوم علي العقوبات والتخويف لتقييد حقوق التعبير عن الرأي والفكر، ولتتحول وسائل الإعلام إلى وسيلة لنقل خطاب السلطة للجماهير.
ومع أن القوانين توفر للسلطة إمكانيات كبيرة للتحكم في الصحفيين والسيطرة عليهم، فإن السلطة استخدمت الكثير من الوسائل خارج إطار القوانين، مثل الحبس الاحتياطي، بالإضافة إلى الكثير من الإجراءات الإدارية للتحكم في الصحافة والصحفيين.. وفي الوقت نفسه تمَّ تهميش دور نقابة الصحفيين؛ فلم تتمكن من الدفاع عن أعضائها، أو قيادة كفاح الصحفيين من أجل حرية الإعلام.
هذا يوضح أن هناك دستورًا ليبراليًّا، بينما هناك الكثير من النصوص القانونية التي تستخدمها السلطة في فرض سيطرتها على الصحافة، وهذا يوضح أن السلطة لم تهتم بتحقيق التوافق بين الدستور والقوانين، وأن النصوص القانونية التي تراكمت منذ عام 1937 (تاريخ صدور قانون العقوبات) حتي الآن قد أعاقت تطور الصحافة وازدهارها، وساهمت في صنع الأزمة التي تعانيها، والتي أدت إلى إغلاق المجال العام، وتناقص القوة الإعلامية للدولة.
المبحث الرابع
استخدام النصوص القانونية للتحكم في ملكية الوسائل الإعلامية
بالرغم من أن دستور 2014 كفل للمواطنين الحق في إنشاء الوسائل الإعلامية وملكيتها، إلَّا أن النصوص القانونية قيَّدت هذا الحق، بحيث تمكنت السلطة من فرض احتكارها الفعلي لوسائل الإعلام، وهذا يعني أنها فرضت على مصر أسوأ ما أنتجه النظام الرأسمالي من ظواهر، أدت إلى تحكم الشركات العملاقة في وسائل الإعلام، وتقييد التعددية والتنوع، وهو ما أثر بشكل سلبي علي الديمقراطية وحريات المواطنين وحقوق الشعوب، وعلي التحكم في تدفق المعلومات والمعرفة للجماهير.
لكن الاختلاف هنا هو أن الشركات الرأسمالية الكبري هي التي فرضت الاحتكار على وسائل الإعلام في أمريكا وأوروبا؛ بينما فرضت السلطة المصرية حالة الاحتكار على الإعلام في مصر، وارتبط ذلك بإغلاق المجال العام، وإثارة الخوف في نفوس المواطنين، واستخدام وسائل الإعلام في فرض رواية السلطة للأحداث على الجماهير.
ولكن كيف استخدمت السلطة النصوص القانونية في فرض احتكار ملكية وسائل الاعلام والتحكم فيها؟
أولًا: المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام
تمَّ إصدار القانون رقم 92 لسنة 2016 ليشكل المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، ليتولى تنظيم شؤون الإعلام المسموع والمرئي والرقمي والصحافة المطبوعة، وحدد القانون عددًا من الأهداف للمجلس من أهمها ما يلي:
- يهدف المجلس إلى ضمان وحماية حرية الصحافة والإعلام في إطار المنافسة الحرة.
- حماية حق المواطن في التمتع بإعلام وصحافة حرة ونزيهة، وعلى قدر رفيع من المهنية، وفق معايير الجودة الدولية، وبما يتوافق مع الهوية والثقافة المصرية.
- ضمان استقلال المؤسسات الصحفية والإعلامية وحيادها وتنوعها.
- ضمان التزام الوسائل والمؤسسات الإعلامية والصحفية بمعايير وأصول المهنة وأخلاقيَّاتها.
- ضمان التزام الوسائل والمؤسسات الإعلامية والصحفية بمقتضيات الأمن القومي.
- ضمان ممارسة النشاط الاقتصادي في مجالي الصحافة والإعلام على نحو لا يؤدي إلى منع حرية المنافسة، أوتقييدها أو الإضرار بها[10].
وتحديد القانون لهذه الأهداف يمكن أن يعطي انطباعًا زائفًا بأنها مستقاة من نظرية المسؤولية الاجتماعية، وأن المجلس – علي غرار مجالس الصحافة في أوروبا – هدفه تحقيق التوازن بين حرية الصحافة والالتزام بالأخلاقيات وحقوق الجمهور؛ وذلك فيما عدا ضمان الالتزام بمقتضيات الأمن القومي، وهو مفهوم واسع ولا يدخل في اختصاصات مجالس الصحافة والإعلام.
كما أعطي القانون للمجلس الاختصاص بتلقي الإخطارات بإنشاء الصحف، ومنح التراخيص اللازمة لإنشاء وسائل الإعلام المسموع والمرئي والرقمي وتشغيلها، ولا علاقة لمجالس الصحافة بذلك.. كما أن إعطاء المجلس هذا الاختصاص يعني تحكم السلطة في إنشاء الصحف ووسائل الإعلام.
إن الاختصاص الوحيد الذي أخذه هذا القانون من نظرية المسؤولية الاجتماعية هو تلقي شكاوي المواطنين عما ينشر في الصحف، أو يبث في وسائل الإعلام، ويكون منطويًا علي مساس بسمعة الأفراد، أو تعرض لحياتهم الخاصة.
لكن القانون أعطى للمجلس الحق في “اتخاذ الإجراءات المناسبة” تجاه الصحيفة أو الوسيلة الإعلامية في حال مخالفتها للقانون، أو لمواثيق الشرف، وأعطى للمجلس سلطة إحالة الصحفي أو الإعلامي إلى النقابة المعنية لمساءلته في حال توافر الدلائل الكافية على صحة ما جاء في الشكوي.
وهذا يختلف عن دور مجالس الصحافة طبقًا لنظرية المسؤولية الاجتماعية، فهذه المجالس تكتفي بإدانة الصحفي أو الصحيفة في ضوء الميثاق الأخلاقي، ولا علاقة لها بأية مخالفة قانونية، كما أنها لا تملك الإحالة إلى أية جهة أخرى.
وأعطى القانون للمجلس رصد الأداء الصحفي والإعلامي ومتابعته، وإعداد تقارير تتناول وضع التعدد والتنوع في هذا الشأن، ورصد الممارسات الاحتكارية، واتخاذ اللازم لمنعها، ومتابعة درجة الالتزام بالمعايير والقواعد والأصول المهنية.
وهذا من أهم اختصاصات مجالس الصحافة طبقًا لنظرية المسؤولية الاجتماعية التي ظهرت لحماية الدول من خطر الاحتكار، وبناء إمبراطوريات إعلامية يمكن أن تتحكم في اتجاهات الجماهير، وتتلاعب بها.
لكن من الواضح أن المجلس الأعلى للإعلام لم يقم بدوره في مواجهة شركة “المتحدة” التي تمتعت بوضع احتكاري، وبقوة كبيرة في مجالات الإعلام والصحافة والدراما.
كما أن دور السلطة في تشكيل المجلس الأعلى للإعلام يبعده كثيرًا عن تشكيل هذه المجالس طبقا لنظرية المسؤولية الاجتماعية؛ حيث أعطى القانون لرئيس الجمهورية سلطة تعيين رئيس المجلس، واثنين من الشخصيات العامة، ويغلب على التشكيل الطابع السلطوي، وبذلك تتحكم السلطة في هذا المجلس وتستخدمه كوسيلة للتحكم في وسائل الاعلام.
ثانيًا: الهيئة الوطنية للصحافة
نصَّ القانون رقم 92 لسنة 2016 على إنشاء الهيئة الوطنية للصحافة، ووصفها بأنها هيئة مستقلة تتمتع بالشخصية الاعتبارية، والاستقلال في ممارسة مهامها واختصاصاتها، ولا يجوز التدخل في شؤونها.
وأعطي القانون لهذه الهيئة سلطة إدارة المؤسسات الصحفية المملوكة للدولة ملكية خاصَّة (المؤسسات الصحفية القومية)، وتعمل على تطويرها وتنمية أصولها، وضمان تحديثها واستقلالها وحيادها، والتزامها بأداء مهني وإداري واقتصادي للمؤسسات الصحفية القومية.
وأعطى القانون للهيئة سلطة تعيين رؤساء مجالس إدارات المؤسسات الصحفية القومية، ورؤساء تحرير المطبوعات الصادرة عنها، واعتماد الهيكل التنظيمي والإداري للمؤسسات الصحفية[11].
لكن من الواضح أن تلك الاختصاصات القانونية لا تمارسها الهيئة بشكل فعلي، حيث تقوم السلطة بشكل مباشر بتعيين رؤساء مجالس الإدارات ورؤساء التحرير.
كما أن الهيئة مجرد جهاز سلطوي، تمَّ إسناد مباشرة حقوق ملكية المؤسسات الصحفية له؛ فالقانون أعطى لرئيس الجمهورية سلطة تعيين رئيس الهيئة، وثلاثة من ذوي الخبرة والشخصيات العامة، أما باقي الشخصيات فيغلب عليهم الطابع الحكومي.
كما أنشأ القانون الهيئة الوطنية للإعلام لتقوم بإدارة المؤسسات الإعلامية المملوكة للدولة (القنوات التليفزيونية والمحطات الإذاعية التابعة لاتحاد الإذاعة والتليفزيون – ماسبيرو).
بذلك تكاملت النصوص القانونية التي تقيد حريات المواطنين مع النصوص القانونية التي تتيح للسلطة التحكم في الإعلام، وفرض السلطة لنوع من الاحتكار؛ يمنع واقعيًّا إمكانيات إصدار صحف ووسائل إعلامية أو مواقع إلكترونية مستقلة، أو تعبر عن اتجاهات سياسية وفكرية، أو تقدم رواية للأحداث لا تريدها السلطة.
المبحث الخامس
النصوص القانونية والعلاقة بين الإعلام والسلطة (2014 – 2024)
دراسة القوانين التي أصدرتها السلطة بعد عام 2013 توضح طبيعة العلاقة بين الإعلام والسلطة، وأن الإعلام المصري فقد الحرية التي تمتع بها خلال الفترة (2011 – 2013)، ومارس الجيش الكثير من أشكال القيود على الصحافة، وتمَّ استخدام وسائل الإعلام لتمجيد الجيش، وأصبحت كل وسائل الإعلام صوتًا للسلطة؛ تنشر خطابها.
وكانت معظم المعلومات التي تنشرها وسائل الإعلام مستقاة من مصادر رسمية، لذلك أصبحت وسائل الإعلام المصرية صوتًا للسلطة، تقدم للجمهور البيانات التي تذيعها الأجهزة السيادية (خاصَّة أجهزة الأمن)، وتمَّ تجاهل أية رواية أخري، سواء في ذلك وسائل الإعلام المملوكة للدولة، أو الخاصَّة.
وكانت النصوص القانونية التي تستهدف تقييد حرية الإعلام وفرض احتكار السلطة لملكية وسائل الإعلام من أهم العومل التي أدت إلى ضعف القوة الإعلامية للدولة المصرية، وتقييد حق الشعب المصري في المعرفة، وأدَّي ذلك إلى تزايد أزمة الصحافة الورقية، وكان من أهم مظاهر هذه الأزمة ما يلي:
- الملكية: حافظت السلطة على ملكية الدولة للمؤسسات الصحفية الرئيسة في مصر، والتي يطلق عليها “المؤسسات الصحفية القومية”، والتي تشكل العمود الفقري لصناعة الصحافة المصرية والتي كان قد تمَّ تأميمها بمقتضى قانون تنظيم الصحافة الصادر عام 1960، وكل ما فعلته السلطة بعد الانقلاب هو إنشاء هيئات للتحكم في هذه المؤسسات، مثل الهيئة الوطنية للصحافة. واستمرت السلطة في تعيين رؤساء مجالس إدارات المؤسسات الصحفية، ورؤساء تحرير الصحف، على قاعدة الولاء للنظام، والالتزام بالدفاع عنه، والترويج لقراراته، ومنع ظهور أي نقد أو رواية تختلف مع رواية السلطة.
- تناقص التوزيع: بالرغم من التعتيم على أرقام التوزيع، إلَّا أن هناك الكثير من المؤشرات على أن توزيع الصحف بشكل عام هبط بدرجة كبيرة.
- تراكم أعباء الديون: تزايدت أعباء الديون المتراكمة على المؤسسات الصحفية القومية التي تخطت حاجز الـ20 مليار جنيه، مما أدي إلى التفكير في بيع هذه المؤسسات.
- إغلاق الصحف: تمَّ وقف إصدار الصحف المسائية (المساء، والأهرام المسائي، والمسائية)، وهي صحف يومية مسائية كانت تصدر عن المؤسسات الصحفية القومية، والتفكير في وقف إصدار صحف أخري.
لكن هل يمكن تفسير أزمة الصحافة المصرية بأنها عجزت عن مواجهة تحدي ثورة الاتصال، وأن الناس انصرفوا إلى وسائل الإعلام الجديد؟
دراسة أوضاع الصحافة المصرية توضح أن الإعلام الجديد لم يكن سبب هذه الأزمة؛ حيث حجبت السلطة في مصر أكثر من 500 موقعًا إخباريًّا، بالرغم من أن دستور 2014 يحظر إغلاق المواقع الإلكترونية.
كما تمَّ اعتقال الكثير من الناشطين بسبب الكتابة على مواقع التواصل الاجتماعي بهدف نشر الخوف، وتوصيل رسالة إلى الجمهور بأن أجهزة الأمن تقوم بمراقبة كل ما يكتب على الإنترنت، وأنها تستطيع معاقبة كاتب أي مضمون بتهمة نشر أخبار كاذبة، ولذلك انتشر الخوف بين الناس من استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، كما تناقصت قدرة الناس على استخدام الاتصال المباشر خوفًا من أجهزة الأمن.
لذلك فإن أزمة الصحافة المصرية كانت بسبب تقييد الحرية، وسيطرة السلطة والرقابة علي المضمون، والتحكم في الصحفيين، والاقتصار على نشر المعلومات التي تريدها السلطة؛ ففقدت الصحافة المصرية قدرتها على الوفاء بحق الجمهور في المعرفة، وإدارة المناقشة الحرة حول قضايا المجتمع، فلم يعد المضمون الذي تنشره يجذب الجماهير.
يضاف إلى ذلك أن الصحافة التابعة للسلطة لا تستطيع أن تجدد نفسها، أو تبني علاقة إيجابية مع جمهورها، أو تشبع احتياجاته، أو تكسب ثقته.
إن التبعية للسلطة، وتقييد الحرية، وعدم القدرة على إشباع احتياجات الجمهور هي العوامل التي شكلت أزمة الصحافة المصرية، والتي أصبحت تهدد وجودها كرسالة ومهنة ووسيلة للوفاء بحق الجماهير في المعرفة، وترتبط أزمة الصحافة المصرية بأزمة نظام سياسي استخدم قوته ضد شعبه، وضد الصحفيين الذين لم يتمكنوا من القيام بعملهم الصحفي، فأصبح الكثير منهم يعانون من البطالة الحقيقية أو المقنَّعة؛ فيحصلون على رواتبهم دون عمل حقيقي، لكنهم لا يستطيعون التعبير عن غضبهم.
ففي تقريره عام 2017، قال مركز الأهرام للدراسات السياسة والاستراتيجية إن انصراف الجمهور عن الصحافة يعود إلى قلة مصداقية الصحف، وعدم قدرتها على المنافسة بمضامين تحليلية عميقة[12].
لكن هل تقتصر الأزمة على الصحافة الورقية وحدها؟
بعد بيان الانقلاب في 3 يوليو 2013، تمَّت محاصرة مقرات 14 قناة فضائية إسلامية ومصادرة معداتها وإغلاقها، وكان من أهمها “مصر 25″ و”الناس” و”الحافظ” و”الشباب” و”الفتح”، وبذلك اختفى صوت التيار الإسلامي من الساحة الإعلامية.
كما تمَّ تضييق نطاق الحوار والمناقشة في القنوات التليفزيونية، حيث اختفى الكثير من البرامج الحوارية، والسماح فقط بالبرامج التي تمجد السلطة وتدافع عنها وتبرر قراراتها، وأصبح ضيوف القنوات من الذين ترضى عنهم السلطة، ويقومون بدورهم في الدفاع عنها.
هناك أيضًا أدلة على أن قنوات التليفزيون المصرية أصبحت تواجه أزمة مالية بسبب تناقص معدلات المشاهدة، مما أدي إلى توقف قنوات الحياة عام 2017، بحجة تراكم الديون عليها، وقيام القنوات الفضائية بالاستغناء عن العاملين فيها لتقليل النفقات.
هذا يوضح أن هناك علاقة قوية بين الحرية وازدهار الصحافة ووسائل الإعلام، فعندما تفقد الصحافة حريتها فإنها لا تستطيع إنتاج مضمون يُشبِع حاجة الجماهير للمعرفة، أو يجذب اهتمامها، فتبحث عن المعلومات والآراء في وسائل الإعلام الأجنبية، والإعلام الجديد، حيث وفرت ثورة الاتصال الفرص للوصول للمعلومات التي لا تريد السلطة للجماهير أن تعرفها.. ويشكل ذلك أساسًا لتفسير أزمة الصحافة ووسائل الإعلام المصرية، كما يشير إلى أن الأزمة يمكن أن تتزايد حدتها إن لم يتم فتح المجال العام، وإطلاق حرية الإعلام…
أمَّا الصحف المملوكة ملكية خاصَّة قبل ثورة 25 يناير؛ فقام جهاز المخابرات العامة بإنشاء الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية عام 2016 التي تتمتع بوضع احتكاري في مجال الإعلام، وتتحكم في أسواق الدراما والترفيه والإعلانات.
وقامت هذه الشركة بشراء معظم القنوات التليفزيونية والصحف والمواقع وشركات التوزيع والإنتاج السينمائي حتي تحولت إلى إمبراطورية تتحكم في السوق، وتفرض عليه شروطها، ومن أهمها الدفاع عن النظام والدعاية له.
وتمتلك الشركة أهم شبكات التليفزيون، حيث تضم كل شبكة عددًا من القنوات التليفزيونية، مثل دي إم سي DMC، وشبكة تليفزيون الحياة، وشبكة سي بي سي CBC، وقنوات أونON ، بالإضافة إلى مجموعة قنوات أخري، مثل قناة القاهرة الإخبارية، وقناة المحور، وقناة الناس، وقناة الوثائقية.
كما تمتلك شبكة راديو النيل، ومجموعة من شركات الإنتاج والتوزيع السينمائي والدرامي، مثل سينرجي، وميديا هوب.
ومن أهم الصحف التي تمتلكها هذه الشركة وتقوم بإدارتها: اليوم السابع، والوطن، والدستور، ومبتدأ، وأموال الغد، ودوت مصر، والأسبوع، وبيزنس توداي مصر، وصوت الأمة، والمصري اليوم، وزاجل، وايجبت توداي.
ولم تعد في مصر صحف مستقلة، حيث أصبحت خاضعة للسلطة، أمَّا الصحف الحزبية وأهمها الوفد والأهالي فقد تناقص توزيعهما، ولم يعد لها تأثير في الحياة السياسية المصرية.
وهذا يوضح أن احتكار الشركات العملاقة (على النمط الأمريكي – الأوربي) ظهر في مصر، وارتبط بالنمط الموروث منذ 1960 لملكية السلطة للمؤسسات القومية، وضاق نطاق التعددية والتنوع في مجال الصحافة.
كما ارتبطت الملكية الاحتكارية (الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية) في مجال الصحافة بالسيطرة على القنوات التليفزيونية والمواقع على الإنترنت والدراما والإعلانات.
كما سيطرت هذه الشركة على سوق الإعلانات في مصر، من خلال شركاتها العاملة في هذا المجال، وأهمها سينرجي للإعلانات وميديا هوب وبود، وبذلك أصبحت تتحكم في حياة الصحف قنوات التليفزيون ومحطات الإذاعة.
ويتفق علماء الإعلام على خطورة الاحتكارات على الديموقراطية، حيث إنها تقلل من إمكانيات توفير المعلومات والمعرفة، ولا تستطيع الصحافة أن تقوم بدورها في إدارة المناقشة الحرة، وحراسة مصالح المجتمع.
وبالرغم من استمرار سيطرة السلطة على القنوات التليفزيونية ومحطات الإذاعة المملوكة للدولة، والتي تتبع اتحاد الإذاعة والتليفزيون، فإن الاهتمام بها قد تناقص لصالح القنوات التي تمتلكها وتديرها شركة المتحدة، مما أدى إلى تراكم الديون على اتحاد الإذاعة والتليفزيون (ماسبيرو).
إن ذلك يعني عدم وجود فلسفة يقوم عليها النظام الإعلامي المصري الذي يجمع أسوأ ما في النظام الرأسمالي الغربي، وهو الاحتكار، مع الأسس التي تقوم عليها النظرية السلطوية، مع ملكية الدولة للمؤسسات الصحفية الرئيسة (المستمدة من النظام الشيوعي).
وبالنظر إلى سيطرة النظام العسكري على الحياة السياسية والثقافية في مصر، تبرز سمة مميزة للنظام الإعلامي، وهي “عسكرة هذا النظام”، حيث يمتلك جهاز المخابرات العامة الشركة التي تحتكر الصحافة والتليفزيون والإذاعة والإنتاج الدرامي.
كما تبرز سمة أخري لهذا النظام، هي دور أجهزة الأمن التي تستخدم أساليب مختلفة في توجيه وسائل الإعلام، والتحكم في المضمون الإعلامي، والسيطرة علي الصحفيين، وهذه السمة هي “أمننة النظام الإعلامي المصري”.
المبحث السادس
استخدام النصوص القانونية في فرض الرقابة والعقوبات السالبة للحرية
عرفت الصحافة المصرية منذ عام 1952 كل أشكال الرقابة طبقًا لقانون الطوارئ الذي استخدمته السلطة للسيطرة على المجتمع، والتحكم في الواقع السياسي، ومنع وصول أي صوت معارض للجماهير.
ومن أهم وسائل التحكم الرقابة العسكرية المباشرة المسبقة على النشر، والتي ظلت مفروضة لسنوات طويلة.
لكن بعد عام 1977، شهدت مصر أشكالًا أخرى من الرقابة، مثل الرقابة بعد النشر، والتي يتم فيها مراجعة العدد المطبوع من الجريدة، ثم مصادرته، وعرض الأمر على المحكمة.
وبهذا الأسلوب يتم محاكمة الصحفيّين، لكن تمَّ تطوير الرقابة بعد ذلك، لتشمل الرقابة غير المباشرة، عن طريق إصدار التعليمات للصحف بعدم النشر عن موضوعات وقضايا تحددها السلطة.
ويلتزم رؤساء التحرير الذين تقوم السلطة بتعيينهم بتعليماتها، واتخاذ قرارات النشر طبقًا للشروط التي تحددها السلطة.
أمَّا القنوات التليفزيونية فإن السلطة تفرض عليها الرقابة المباشرة؛ والتي لا تقتصر وظيفتها على منع المضمون الذي لا تريد السلطة وصوله للجماهير فقط، لكنها تقوم أيضًا باتخاذ قرارات الإنتاج والنشر، وتوجيه الإعلاميين لانتاج مضمون يحقق أهداف السلطة.
لكن بعد ثورة 25 يناير، شهدت الصحافة المصرية فترة تمتعت فيها بالحرية، فلم يكن هناك أي شكل من الرقابة على الصحافة أو قنوات التليفزيون، حتى القنوات المملوكة للدولة. ووَجَّه الصحفيون والكتَّاب نقدًا قاسيًا للرئيس وللحكومة؛ وانتهت هذه الفترة بعد 3 يوليو 2013؛ حيث عادت السلطة لاستخدام كل أشكال الرقابة طبقًا لقانون الطوارئ. ومن الواضح أن رؤساء التحرير قاموا بدورهم في ضبط العمل الصحفي؛ الذي أصبح قاصرًا على إنتاج الأخبار طبقًا لبيانات السلطة وتصريحات المسؤولين.
وتوضح دراسة الفترة من 2014 إلى 2024 أن رقابة رؤساء التحرير أكثر قسوة من الرقابة العسكرية المباشرة؛ فهم يعرفون جيدًا معنى كل كلمة في النص، ويستطيعون تعديلها طبقًا لما تريده السلطة.
كما أن رؤساء التحرير يستطيعون إنتاج المضمون الذي يقوم على مدح الرئيس والإشادة بإنجازاته، وبالتالي لم تعد الرقابة قائمة على المنع فقط، كما كان يحدث في الرقابة العسكرية المباشرة، ولكن أصبحت تقوم على نشر المواد التي ترضي السلطة.
كما أن السلطة حددت الكثير من المحظورات التي يجب أن يلتزم بها الصحفيون. وعلى سبيل المثال: حذر السيسي في الأول من مارس 2018 من الإساءة للجيش والشرطة، واعتبر أن ذلك خيانة عظمي وليس حرية شخصية أو وجهة نظر[13].
لقد فرضت السلطة رقابة صارمة على الصحافة تمَّ فيها استخدام كل الأشكال التي عرفتها النظرية السلطوية، بالرغم من أن ثورة الاتصال قد فرضت على كل الدول التخلي عن تلك الأساليب التي تمنعها من بناء القوة الإعلامية.
كما كانت الرقابة الذاتية من أخطر أنواع الرقابة، وأشدها تأثيرًا، وهذا النوع يرتبط بالنظم السلطوية التي تستخدم العقوبات ضد الصحفيين، وتتحكم في أرزاقهم، فيضطر الصحفي لفرض الرقابة الذاتية على نفسه حتى يستطيع أن يعيش، ويتجنب التعرُّض للعقوبات.
وهذا النوع من الرقابة يؤدي مع الزمن إلى تقليل مهارات الصحفيين وكفاءتهم وقدرتهم على إنتاج مضمون يجذب الجمهور، كما يؤدي إلى تزايد خروج الصحفيين من المهنة.
وهذا النوع من الرقابة ساهم في زيادة حدة أزمة وسائل الإعلام المصرية، وتناقص مصداقيتها، فالكثير من الإعلاميين صمتوا، واكتفوا بنشر الأخبار كما تأتيهم من مؤسسات الدولة دون تحرير، فأصبحت الصحافة كئيبة، وتشبه الصحف الرسمية للدول السلطوية.. كما تزايدت ظاهرة التشابه الإخباري بين الصحف المصرية، فلم تعد قادرة على أن تقدم منظورًا جديدًا، أو تركز على زوايا متميزة فى الأحداث، أو تعتمد على مصادر غير رسمية.
أمَّا القنوات التليفزيونية، فأصبحت تتحكم فيها الأجهزة السيادية (المخابرات العامة، والحربية، والأجهزة الأمنية) بشكل مباشر، وتمَّ تحديد دورها في الدعاية للسلطة، وإنتاج المضمون الذي يخدم أهداف السلطة. كما أصبح الإعلاميون في هذه القنوات يفرضون الرقابة الذاتية على أنفسهم خوفًا من السلطة.
استخدام النصوص القانونية في الحبس الاحتياطي والسجن والمحاكمات:
أصدر الرئيس محمد مرسي المرسوم بقانون 85 لسنة 2012، وينص على تعديل المادة 41 من قانون تنظيم الصحافة رقم 96 لسنة 1996، ليمنع حبس الصحفيين احتياطيًّا في جميع جرائم النشر، بما فيها إهانة رئيس الجمهورية.
لكن بعد 2013، تمَّ التوسع في استخدام السجن الاحتياطي للصحفيين، فطبقًا لتقدير منظمة “صحفيين بلا حدود”، تمَّ القبض على أكثر من 100 صحفي منذ يناير 2014. لذلك قالت المنظمة: لا تزال مصر تعد من أكبر السجون في العالم بالنسبة للصحفيين، حيث أضحت بعيدة كل البعد عن آمال الحرية التي حملتها ثورة 25 يناير.
كما استخدمت السلطة قانون مكافحة الإرهاب الصادر عام 2017 في سجن الصحفيين لمجرد الشك في عضويتهم في جماعة إرهابية، أو نشر أخبار كاذبة.
ويقول تقرير منظمة “صحفيين بلا حدود” إن مصر أكثر الدول التي تسجن الصحفيين بعد الصين والسعودية، وصنف التقرير مصر في المرتبة 166 من 180 دولة على مقياس حرية الصحافة.. ونتيجة لذلك – كما يقول التقرير – لم يعد الصحفيون يملكون خيارًا سوي ترديد الخطاب الرسمي، خوفًا من السجن بتهمة تهديد استقرار الدولة.
هذا يعني أن استخدام العقوبات السالبة لحرية الصحفيين، وشعورهم بالخوف المستمر من السجن، كانا من العوامل التي قللت من قدرتهم على إنتاج مضمون صحفي يجذب الجماهير التي أدركت أن الصحافة أصبحت وسيلة تستخدمها السلطة للتحكم في الجماهير والتلاعب باتجاهاتها، مما أدي إلى تناقص توزيع الصحف، وزيادة أزمة الصحافة، وتناقص معدلات مشاهدة القنوات التليفزيونية.. كما كان من الطبيعي أن يفرض الإعلاميون الرقابة الذاتية على أنفسهم بسبب الخوف من السلطة.
ويوضح ذلك أن الإعلام المصري أصبح ينطبق عليه توصيف النظرية السلطوية.
الهوَّة بين النصوص الدستورية والقانونية وتطبيقها
يوضح ذلك أن دراسة نصوص الدستور لا تكفي لإصدار حكم علي مدى حرية الصحافة؛ فالمناخ السياسي والاقتصادي والثقافي الذي تعمل فيه وسائل الإعلام يلعب دورًا مهما في نشر الحرية كقيمة هامة للمجتمع بأكمله[14]، وهذا المناخ أدى إلى نشر حالة الخوف منذ 3 يوليو 2013، وعدم القدرة على التعبير عن الرأي، وعدم التقدم لإصدار صحف جديدة أو إنشاء قنوات تليفزيونية، وإغلاق المجال العام.
كما أن السلطة قامت بمنع الكثير من الصحفيين من الكتابة، وعدم نشر مقالاتهم في الصحف، أو الظهور في قنوات التليفزيون، وذلك دون إعلان؛ فأصبحت الكتابة في الصحف امتيازًا يتم منحه لمَن ترضى السلطة عنهم من الصحفيين، وأصبح الكثير من الصحفيين لا يعملون، ويحصلون على مرتباتهم دون تقديم إنتاج.
وساهم الجو المشحون بالخوف في فرض حالة الصمت على الصحفيين – من المعارضين للسلطة – واستخدمت السلطة الكثير من الوسائل لفرض هذه الحالة خارج إطار الدستور والقوانين، ومن أهم تلك الوسائل: الحبس الاحتياطي الذي يتجاوز مدة السنتين التي ينص عليها القانون كوسيلة لمعاقبة مَن يخالفونها في الرأي.
كل ذلك ساهم في تشكيل أزمة الصحافة المصرية؛ حيث أصبح الصحفيون يدركون أن نصوص الدستور والقوانين لا يتم تطبيقها، وأنه لن يستطيع أحدٌ الدفاع عنهم في مناخ غير ديموقراطي، فالسلطة تستخدم الإجراءات الإدارية السلطوية بشكل مباشر دون الحاجة للقوانين.
النتائج العامة
توضح هذه الدراسة ما يلي:
- بالرغم من أن دستور 2014 يكفل حرية الصحافة والإعلام، لكن هناك الكثير من النصوص القانونية التي تتناقض مع هذه الكفالة الدستورية، وتفرض الكثير من القيود على حرية الصحافة، كما تفرض الكثير من العقوبات على الصحفيين.
- بذلك تعيش وسائل الاعلام المصرية في ظل نصوص دستورية ليبرالية، ونصوص قانونية سلطوية، كما أن السلطة تستخدم الإجراءات الإدارية بشكل مباشر خارج إطار القوانين لنشر حالة من الخوف، وتمنع الإعلاميين من الكتابة وتغطية الأحداث.
- ظلت السلطة تحافظ على سيطرتها على المؤسسات الصحفية الرئيسة التي كان قد جرى تأميمها عام 1960، وتمليكها للاتحاد الاشتراكي (التنظيم السياسي الوحيد في ذلك الوقت)، ثم تمَّ نقل ملكية هذه المؤسسات للدولة بمقتضى قانون سلطة الصحافة عام 1980.
كما تمتلك الدولة قنوات التليفزيون ومحطات الإذاعة، ويمارس حقوق الملكية عليها المجلس الأعلى للإعلام، واستخدمت السلطة النصوص القانونية في فرض احتكارها لوسائل الإعلام من خلال شركات تسيطر عليها المخابرات، مثل شركة (المتحدة).
- استخدمت السلطة الكثير من الوسائل، منها الرقابة المباشرة وغير المباشرة، قبل النشر وبعده، استنادًا إلى قانون الطوارئ الذي تمَّ تطبيقه لفترات طويلة، كما أن مناخ الخوف وعدم الديموقراطية واستخدام الحبس الاحتياطي ضد الصحفيين ومحاكمتهم بتهم مختلفة طبقًا لقانون الإرهاب أرغم الصحفيين على فرض الرقابة الذاتية على أنفسهم.
توصيات الدراسة
- توجيه الكثير من الباحثين من تخصصات القانون والإعلام والعلوم السياسية لمراجعة النصوص القانونية وعلاقتها بالدستور وتطبيق السلطات لهذه القوانين، وذلك تمهيدًا لعملية إصلاح تشريعي يفتح المجال أمام المصريين للتمتع بالحريات العامة، وأهمها حرية الإعلام.
- بناء المستقبل يتطلب قوانين تحمي الحقوق والحريات ولا تقيدها، ليتمكن المواطنون الذين يتمتعون بحقهم في المعرفة من إقامة نظام ديمقراطي.. لذلك يجب أن يحتل هدف التخلص من النصوص القانونية المقيدة للحريات مكانته في كفاح الحركة الوطنية المصرية خلال المرحلة القادمة.
[1] – لمزيد من التفاصيل، انظر: سليمان صالح، أزمة حرية الصحافة في مصر 1945-1985، القاهرة: دار النشر للجامعات المصرية، 1995.
[2] – Shehabat, A. Arab 2.0 revolutions, MA thesis, university of western Sydney, 2013, P. 131.
[3] – Abdulla. R, Egypt’s media in the midst revolution, Carnegie, July 2014.
[4] – Elzahed .h, Egyptian press and the transition to democracy, international journal of humanities, vol 1, issue2, Nov 2013.
[5] – Reporters without borders, less freedom than ever in Egypt, rsf.org/en/less-press-freedom—ever-egypt-10-years-after-revolution
[6] – Rugh. William. A, D nation7political systems still influence Arab media, Arab media and society, May 2007. Arabmediasociety.com/wp-content/uploads/2017/12/200705230811944-ams2-william-a-rugh-.pdf
[7] – دستور مصر الصادر عام 2014، https://www.constituteproject.org/constitution/Egypt_2014.pdf?lang=ar
[8] – قانون تنظيم الحق في الاجتماعات والمواكب والتظاهرات السلمية رقم 107 لسنة 2013، الجريدة الرسمية، العدد 47 مكرر، 24 نوفمبر 2013.
[9] – قانون مكافحة الارهاب رقم 94 لسنة 2015، https://manshurat.org/node/14679
[10] – القانون رقم 92 لسنة 2016 المجلس الأعلي لتنظيم الإعلام، الجريدة الرسمية، العدد 34 مكرر هـ، 27 أغسطس 2018.
[11] – قانون رقم 179 لسنة 2018، الهيئة الوطنية للصحافة، https://manshurat.org/node/31483
[12] – مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، اشكاليات وتحولات الصحافة والاعلام في مصر، 2017.
[13] – المصري اليوم، السيسي: الإساءة للجيش والشرطة ليست حرية شخصية أو وجهة نظر.. خيانة عظمى، 1 مارس 2018، https://www.almasryalyoum.com/news/details/1265292
[14] – حسين أمين، تعزيز حكم القانون وانزاهة في العالم العربي، تقرير حول وضع الإعلام في مصر، المركز العربي لتطوير حكم القانون والنزاهة،arabruleoflaw.org