الخبر:
مجددًا، ومن قلب تونس، عادت شعارا “ارحل” و”الشعب يريد إسقاط النظام”، وأضيف إليهما شعار “لا خوف لا رعب، الشارع ملك الشعب”، في مظاهرات هي الأكبر ضد الديكتاتور قيس سعيّد، جرت يوم 14 سبتمبر 2024.
الآلاف خرجوا يهتفون ضد قيس سعيّد وسط حالة من القلق الشديد في عواصم الثورة المضادة من عودة “دورة الربيع العربية”، خاصَّة مصر التي تلت تونس في ثورات الربيع العربي عام 2011.
المتظاهرون خرقوا الحصار الأمني، وذهبوا الي مقر وزارة الداخلية، وهم يهتفون dégage (أي “ارحل” بالفرنسية)، و”لا خوف لا رعب، الشارع ملك الشعب”، و”حريات حريات دولة البوليس انتهت”، وسط تحد كبير لقوات الأمن.
انتقدوا الانتكاسة الشديدة في الحريات والحقوق، وطالبوا بالإفراج عن السياسيّين والصحفيّين المسجونين بسبب مواقفهم المعارضة، ومنع الترهيب ضد المرشحين في الانتخابات الرئاسية المقررة في 6 أكتوبر المقبل.
وكالة “رويترز” وصفت المظاهرة بأنها واحدة من أكبر الاحتجاجات منذ العام الماضي ضد الرئيس التونسي قيس سعيّد، الذي شدَّد قبضته على السلطة، وألغى البرلمان، وجمَّد الدستور، ويحكم بمراسيم منذ عام 2021.
ويحتكر “سعيّد” كافة السلطات منذ انقلابه على الديمقراطية في يوليو 2021، ويسعى للفوز بولاية ثانية في انتخابات 6 أكتوبر 2024 عبر “انتخاب تفصيل” على مقاسه.
لذا أقصى 7 من المرشحين الكبار، وأبقى على اثنين فقط، أحدهما يدعمه، والثاني سجنه، على غرار انتخابات السيسي في مصر، ورفض قرارات المحكمة الإدارية الملزمة بإعادة 3 منهم لمنافسته.
التعقيب:
- المظاهرات جاءت استجابة لدعوة مجموعة من المنظمات الحقوقية، مثل الشبكة التونسية للحقوق والحريات، التي تضم أحزابًا يسارية واجتماعية ومنظمات من المجتمع المدني، والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان، وساندتها قوى معارضة وأحزاب سياسية.
- لم يشارك التيَّار الإسلامي في المظاهرات على نطاق واسع بسبب حملات الاعتقالات المستمرة من جانب نظام الديكتاتور سعيّد، وأخرها حملة اعتقالات طالت كوادر حزب حركة النهضة قبل التظاهر ضد سعيّد بـ 24 ساعة. ولو شارك الإسلاميّون على نطاق واسع لكانت المظاهرات أكبر.
- ثورة الربيع العربي بدأت من تونس، وانتقلت إلى سوريا، ثم مصر، واقتلعت أعمدة الديكتاتوريات في تلك الدول. والآن وبعد 13 عامًا تخرج الشعوب مجددًا ضد الديكتاتوريات الجديدة.
- دورة الربيع العربي الثاني تخرج هذه المرة ضد أنظمة قمعية وديكتاتورية، تعمل لمصلحة العدو الصهيوني وضد إرادة الشعوب، ويحرك هذه الثورات بقوة طوفان الأقصى، فهل نرى دورة ثورات ثانية تبدأ من تونس وتنتقل إلى مصر؟
- مظاهرات تونس جاءت عقب اعتقال السلطات التونسية 80 من أعضاء حركة النهضة الإسلامية التي كانت أكبر القوي السياسية في البرلمان قبل أن يلغي سعيّد البرلمان والدستور، منهم إعلاميّون وقضاة ورجال أعمال وسياسيون.
- يقبع ما لا يقل عن 20 معارضًا في السجن بمن فيهم زعيم حركة النهضة، راشد الغنوشي، ورئيسة الحزب الدستوري الحر، عبير موسي، إضافة إلى وزراء ونوَّاب سابقين ورجال أعمال.
- رد الرئيس التونسي على المظاهرات جاء غريبًا كعادته، حيث تحدث بلغة عبد الفتاح السيسي: “يا نحكمكم أو نقتلكم”، متهمًا مَن تظاهروا ضده بالعمالة والإرهاب، وواصفًا إيَّاهم بأنهم أعداء مأجورون، واستعمل عبارات: دم وشعلة نار وتفجير!
- بيان قيس سعيّد كان يقطر حقدًا وكراهية وتباغضًا ودعوة للتقاتل والتناحر في وقت ينتظر فيه الشعب التونسي بارقة أمل بوعود عملية وواقعية لحل مشاكله وأزمته الاقتصادية والاجتماعية والسياسية العميقة.
- قيس سعيّد ليس له إرث سياسي معروف، سوى ترشحه وفوزه بالرئاسة، في 23 أكتوبر 2019، بدعم من بعض قوى الثورة التي تصوروت أنه سوف يحافظ على الديمقراطية.
- كان سعيّد أستاذًا متقاعدًا في القانون الدستوري، وأمينًا عامًّا للجمعية التونسية للقانون الدستوري بين 1990 و1995، ومع هذا خرق كل القوانين منذ تولى منصب رئيس الجمهورية، وأغراه الكرسي ودعمته الدولة العميقة.
- كان من الممكن ردع قرارات سعيّد الديكتاتورية، لكن أطراف “الدولة العميقة”، خاصَّة الأجهزة الأمنية والجيش رأوا فيه الواجهة التي يختبئون خلفها للإبقاء على نفوذهم، وإقصاء القوي الفاعلة، خاصَّة حزب النهضة الإسلامي، فدعموا انقلابه.
- مصالح أطراف “الدولة العميقة” في تونس وجدت في قيس سعيّد الرمز الذي تتعايش من خلاله في ظِل اختطافه الديمقراطية بقراراته، وهو ما يتناسب مع البيئة التي تتعايش فيها أركان الدولة العميقة، وهي الاستبداد والفساد.
- عندما خرجت المظاهرات في ثورة الياسمين لم يتوقع أحد أننا سوف نشهد ربيعًا عربيًّا، أو أن “بن علي” سوف يهرب خلال أيام، ويليه سقوط مبارك وغيره، فهل تفاجئنا تونس مجددًا وتنعش الأمل في قلوبنا بربيع عربي جديد، ويهرب الدكتاتور قيس سعيّد؟