نشر موقع إيران واير (Iran Wire) تقريرًا حول تعامل الداخل التركي مع الهجوم الإسرائيلي على إيران، أعده إبراهيم رمضاني، تحت عنوان “هل تكون تركيا الهدف التالي؟ حرب إيران وإسرائيل في وسائل الإعلام التركية“. تناول التقرير مواقف القوى السياسية التركية المختلفة والخبراء الأتراك من الحرب الدائرة بين إيران وإسرائيل، من خلال ما رصدته وسائل الإعلام التركية.
موقع “منتدى الدراسات المستقبلية” يقدم فيما يلي ترجمة كاملة للتقرير عن اللغة الفارسية، وهي على النحو التالي:
اتخذت تركيا موقفًا حذرًا تجاه الحرب الإيرانية الإسرائيلية، متجنبةً الانخراط في الصراع المباشر، مع قلقها في الوقت نفسه من التبعات الأمنية والسياسية للحرب وتداعياتها على ملف الهجرة. وداخل تركيا، تتباين وجهات النظر، فالبعض يرى في الحرب تهديدًا للاستقرار الإقليمي وبداية لموجة جديدة من عدم الاستقرار، بينما يرى آخرون أن هذه الحرب فرصةً لاستيقاظ العالم الإسلامي والضغط على إسرائيل. إلا أن خبراء أتراكًا يعتقدون أن استمرار الحرب الإيرانية الإسرائيلية سيكون مكلفًا للغاية بالنسبة لتركيا، وأن على أنقرة أن تلعب دورًا أكثر فاعلية في الوساطة وتخفيف التوترات.
آراء الأحزاب الموالية والمعارضة للحكومة في تركيا بشأن الحرب
دولت بهتشلي، زعيم حزب الحركة القومية التركية وأحد حلفاء الرئيس أردوغان، يُحذِّر من التوترات الأخيرة بين إسرائيل وإيران ومخاطرها على المنطقة وتركيا. ويَعتقد بهتشلي أن هدف إسرائيل الرئيس هو تطويق منطقة الأناضول جيوسياسيًّا وتقويض مبادرة “تركيا بلا إرهاب”.
ويؤكد بهتشلي أن إسرائيل، المدعومة من الإمبريالية العالمية، أداة حربية لا تحقق مصالحها إلا عن طريق الحرب والعنف. ويشير بهتشلي أيضًا إلى مجازر إسرائيل في قطاع غزة، ويعتبرها مثالًا على وحشيتها وتجاهلها الكامل لحقوق الإنسان. ويحذر بهتشلي من أن الحرب بين إيران وإسرائيل قد تمهد اساحة لصراع نووي عالمي شامل.
أما قادة حزب الشعب الجمهوري التركي المعارض، فقد أدانوا بدورهم الهجوم الإسرائيلي على إيران. ودعا زعيم الحزب، أوزغور أوزيل، إلى وضع حدّ لموقف الحكومة التركية المتساهل تجاه إسرائيل ودعم الدبلوماسية. كذلك اعتبر أكرم إمام أوغلو، رئيس بلدية إسطنبول السابق، والقابع في السجن حاليًّا، الهجوم الإسرائيلي تهديدًا للاستقرار الإقليمي، وشدد على ضرورة تفعيل المجتمع الدولي للحيلولة دون تفاقم التوتر.
ويقول فكرت باير، من حزب ظفر القومي المعارض، الذي يرفض سياسات الحكومة بشأن حرب إسرائيل مع الجمهورية الإسلامية وآثارها على تركيا: “لا أتفق مع هذا السيناريو الذي يقول إن تركيا هي الهدف التالي بعد إيران. الحكومة تستغل هذه القضية لصلح سياساتها الداخلية”.
الدور البارز للعرقيات الإيرانية في تحليل الخبراء الأتراك
يقول نعيم بابور أوغلو، الخبير في مجال الأمن الدولي، في حوار مع قناة سوزجو التلفزيونية: “الهجوم على إيران جزء من المشروع الذي بدأته الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل منذ عام ٢٠٠١م لتغيير الأنظمة في الشرق الأوسط، والآن جاء دور إيران. الهدف هو إضعاف النظام الإيراني بغارات جوية وإثارة اضطرابات داخلية من أجل تغييره”.
ويعتقد بابورأوغلو أن تركيا سوف تتعرض للتهديد في الخطو التالية. ليس بشكل عسكري ومباشر، بل عن طريق الضغوط السياسية والعرقية وأزمة الهجرة. ويتوقع أنه مع تفاقم الأزمة في إيران، سوف تتدفق موجة هجرة من دول مثل أفغانستان وباكستان وبنغلاديش وإيران نحو تركيا.
ويعتقد جهاد يايجي، وهو أميرال متقاعد في الجيش التركي، أن هذه الهجمات جزء من خطة تفكيك قومي لإيران. ويرى أن “الهدف النهائي هو إنشاء “كردستان الكبرى” بدعم من إسرائيل وأمريكا. وقد يهدد هذا السيناريو تركيا أيضًا في المستقبل”.
أما آيدين أونال، الصحفي في صحيفة “يني شفق”، الموالية للحكومة، فإنه يتناول التطورات الأخيرة في الحرب الإسرائيلية الإيرانية، في مقال بعنوان: “عام الانهيارات الكبرى”. ويرى آيدين أن “أسطورة إسرائيل التي لا تُقهَر قد انهارت في غضون أيام قليلة، ورغم قوتها العسكرية، تضررت سمعتها وصورتها الدولية بشدة”.
ويؤكد آيدين أن السبيل الوحيد لإيقاف إسرائيل هو التدخل الجاد من جانب الحكومات؛ لأن الاحتجاجات الشعبية وحدها لا تكفي. في الوقت نفسه، يعتبر التحركات الشعبية وانتفاضة المسلمين ضد المستبدين المتحالفين مع إسرائيل ذات قيمة ومؤثرة في التغيرات المستقبلية. ويقترح إطلاق مسيرة كبرى من الدول الإسلامية نحو الحدود الفلسطينية لإجبار الحكومات على اتخاذ إجراءات من خلال الضغط الشعبي. ويرى أن هذه اللحظة هي لحظة تاريخية قد حانت لإيقاظ العالم الإسلامي.
ويشير آيدين أونال إلى قضية الأتراك والأكراد في إيران، ويقول: “إسرائيل لا تميل إلى التعامل المباشر مع تركيا في الظروف الحالية، لكنها تعول على الأتراك الأذربيجانيّين في شمال إيران، وأكراد إيران، وكذلك التنظيمات التابعة لحزب الاتحاد الديمقراطي (PYD) في سوريا”.
وفي مقال في صحيفة “جمهوريّت” المعارضة للحزب الحاكم، بعنوان: “دروس من إيران”، يتناول مصطفى بالباي الصراعات الأخيرة بين إيران وإسرائيل، ويعتبر هذه الأزمة استمرارًا لمشروع “الشرق الأوسط الكبير” غير المكتمل، الذي دَمَّر في السابق دولًا مثل العراق وسوريا وليبيا.
ويعتقد بالباي أن “إيران عَرَّضت نفسها لخطر كبير بسياستها الخارجية أحادية البُعد ونهج المواجهة المباشرة مع إسرائيل، في وقت تشكلت فيه بيئة دولية لصالح إسرائيل، حيث قدمت الولايات المتحدة وحلفاؤها دعمًا غير مشروط لتل أبيب”.
وبعد الإشارة إلى صمت الدول العربية وسلبيتها، يُحذّر بالباي من اتساع نطاق الحرب، ويقول إن هذه الأزمة قد تتجاوز حدود إيران وإسرائيل. ويؤكد على ضرورة امتناع دول مثل تركيا عن الانخراط في مثل هذه الحرب، وبدلًا من أن تكون جزءًا من الأزمة، عليها أن تلعب دورًا فاعلًا في الوساطة وتخفيف التوترات. ويعتقد بالباي أن المنطقة بحاجة إلى العقلانية وضبط النفس والحوار أكثر من أي شيء آخر للخروج من دوامة العنف هذه”.
حذرت القيادات التركية والقوى السياسية من أن تركيا قد تكون الهدف التالي بعد إيران.
رجب يازغان، الصحفي في صحيفة “ميلاد”، كتب في مقال للرأي، بعنوان “حان دور إسرائيل، وليس تركيا”، ما يلي: “الدور الآن هو دور إسرائيل؛ لأن وحشية إسرائيل وعدوانها بلغا إلى نفد معه صبر العالم، والضغوط الدبلوماسية والعقوبات تتشكل ضدها. هذه التحولات تُنذِر بمعركة كبرى ومصيرية”. وفي نهاية مقالته كتب: “أنا أنتظر فتوى خامنئي بوجوب قتل نتنياهو”.
بعد إيران، هل حان دور تركيا؟ قصص عن انتهاكات الحرب
يُحذّر الصحفي لونيت غولتكين، في تقييمه للحرب الإيرانية الإسرائيلية في صحيفة “يني تشاغ”، من أن استمرار هذه الحرب قد يُخلِّف آثارًا عميقة على السياسة الداخلية التركية. ويَرى أن “الشعور بانعدام الأمن والخوف سوف يزداد في المجتمع التركي إذا طالت الحرب، الأمر الذي سوف يؤدي إلى تهميش القضايا السياسية والاقتصادية، ويمهد الطريق أمام الحكومة لتوسيع نفوذها”.
ويقول غولتكين: “في أوقات الأزمات، ينجذب الناس في جميع أنحاء العالم إلى القائد الذي يبدو أنه الأقوى، وتستغل الحكومات هذا الخوف العام لتحقيق أهدافها الخاصة”.
وبحسب ما يقوله غولتكين، فإن الحكومة التركية قد تسعى، من خلال تأجيج المخاوف من أن “دور تركيا قد حان بعد إيران”، إلى إقناع الرأي العام بضرورة صياغة دستور جديد وتعزيز نظام الحكم لحماية البلاد. وقد يصبح هذا الجو غير الآمن أداةً لتقييد الديمقراطية وترسيخ السلطة في يد الحكومة.
أما يلماز أوزديل، وهو صحفي معارض معروف، فيقول إن “إسرائيل تستخدم المجال الجوي السوري كما لو كان ملكًا خاصًا لأبيها. تفعل ما تشاء، بينما يزعم مسؤولونا أنهم فتحوا سوريا، ويحاولون السيطرة على الرأي العام”. ويعتقد أوزديل أن “أمريكا وإسرائيل أكلتا طعام سوريا، وتركا لنا الأطباق. هذه هي الحقيقة”.
ثم يتناول أوزديل القمع الاجتماعي والسياسي الشديد في إيران، وخاصةً ضد المرأة، ويقول: “الحرية هي أقوى سلاح تستخدمه إسرائيل ضد الجمهورية الإسلامية. ليست الصواريخ والطائرات، بل رسائل الحرية التي توجه مباشرةً إلى قلوب الشعب الإيراني هي التي تحدت الجمهورية الإسلامية. ليست الصواريخ، بل رغبة الشعب في الحرية هي التي تزلزل نظام الجمهورية الإسلامية من الداخل”.
التهديد النووي وموقف تركيا
وقال ميتي سوهتا أوغلو، الخبير بشؤون الشرق الأوسط، بعد إثارة إمكانية استخدام الجمهورية الإسلامية للقنبلة النووية: “إذا استمر هذا الاتجاه وتزايد التوتر النووي، فقد تضطر تركيا ودول أخرى في المنطقة أيضاً إلى تزويد نفسها بالأسلحة النووية”.
قال “جوشغون باشبوغ”، الخبير في مجال الإرهاب والأمن، في مقابلة مع قناة سي إن إن الناطقة باللغة التركية: “خلال حرب غزة، تحدث الرئيس أردوغان عن التهديد النووي، ولا يمكن الإدلاء بهذا التصريح دون توفر معلومات، وهناك احتمال أن تستخدم إسرائيل هذا السلاح في حربها مع الجمهورية الإسلامية. إذا شعرت إسرائيل بتهديد خطير، قد تتخذ إجراءات صارمة وغير متوقعة، بما في ذلك استخدام الأسلحة النووية، متجاهلة العواقب المترتبة على ذلك”.
ويقول الصحفي في قناة “خبر تورك”، نيدرت أرسانيل: “استهدفت إسرائيل القادة العسكريين والعلماء النوويين الإيرانيين بهجمات دقيقة، لكنها تعمدت عدم استهداف علي خامنئي، زعيم الجمهورية الإسلامية، حتى لا يحدث رد فعل إقليمي أشد حدة”.
ويعتقد أرسانيل أنه “رغم هذه الهجمات، لا يزال الهيكل السياسي الإيراني صامدًا، ولا مجال لتغيير النظام إلا في حال حدوث تغيير داخل الحكومة. ويُقال أيضًا إن بعض الصواريخ الإيرانية اخترقت منظومة الدفاع الإسرائيلية، مما يدل على تغير في ميزان القوى، وأن إسرائيل سوف تتضرر سياسيًّا إذا استمرت الحرب”.
وحول آثار هذه الحرب على تركيا، يقول أرسانيل: “علاقتنا مع إيران ليست وثيقة وحميمة، هذه هي النقطة الأساسية. ومع ذلك، لا توافق تركيا بأي حال من الأحوال على جرِّ إيران إلى الفوضى والأزمات، ولن تقبل بذلك، لأنه يضرّ بتركيا”.
وقال أردوغان قاراقوس، العميد طيار متقاعد في القوات الجوية التركية، عن الحرب بين إسرائيل والجمهورية الإسلامية: “كانت إيران عاجزة أمام الهجمات الإسرائيلية بسبب عدم امتلاكها قوة جوية قوية وأنظمة دفاعية كافية، لكن إسرائيل تبالغ في إظهار ضعفها من أجل دفع أمريكا إلى التدخل المباشر في الحرب، في حين أنها نفذت هجمات فعالة بما لديها من قدرات فعلية”.