خبر وتعقيب

إقالة عبّاس كامل من المخابرات العامة.. “إنهاء خدمة” أم “ترقية” لمهام أخطر؟

الخبر:

بشكل مفاجئ، أصدر عبد الفتاح السيسي، مساء الأربعاء 16 أكتوبر 2024، قرارًا بإقالة ساعده الأيمن في انقلاب 2011، وكاتم أسراره “عباس كامل”، الذي يوصف بأنه “الرجل الثاني في الدولة”، من رئاسة جهاز المخابرات العامة.

 وبدلًا من تعيين نائب رئيس المخابرات اللواء ناصر فهمي، أو الوكيل الأول للجهاز، اللواء أيمن بديع مكانه، عين السيسي اللواء حسن رشاد، وهو أحد وكلاء الجهاز ،رئيسًا للمخابرات، وهو مهندس خريج الفنية العسكرية، ولا يُعرَف مدي خبرته بهذا المجال.

أثيرت تساؤلات عديدة حول: لماذا استبعد السيسي عبّاس كامل الآن، وبعد 13 عامًا من الصداقة المتينة والأسرار الكبرى والثقة المفرطة بينهما، منذ كان عباس كامل مديرًا لمكتب السيسي في المخابرات الحربية ثم وهو وزيرًا للدفاع؟

هل بسبب تحقيقات تجري في أمريكا مع عضو كونجرس بارز متهم بإقامة علاقات مشبوهة مع السيسي وعبّاس كامل تشمل الرشوة وغسيل أموال وتمت إقالته بطلب أمريكي؟ أم بطلب سعودي بعد زيارة ابن سلمان للسيسي لوجود خلافات معه؟ أم أن الأمر يدخل في دائرة صراع الأجهزة؟

ولماذا تم الإعلان عن تعيين كامل “مستشارًا لرئيس الجمهورية منسقًا عامًا للأجهزة الأمنية والمبعوث الخاص لرئيس الجمهورية”، وهو منصب يحمل معني الترقية أو الاستبعاد، مثل تعيين من أقالهم السيسي مساعدين له كإجراء شكلي لحفظ ماء الوجه؟

التعقيب:

بقراره عزل اللواء عبّاس كامل، كاتم أسراره، وأوثق رجاله، من رئاسة المخابرات العامة، يكون السيسي قد تخلص من آخر العسكريّين الذين شاركوه في انقلاب 2013، ولم يبق منهم أحد في منصبه اليوم.

ثارت الشبهات حول عبّاس كامل حين اتهمت محكمة مانهاتن الأمريكية، يوم 16 يوليو 2024 الرئيس السابق للجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ في الكونغرس بوب مينينديز، بـ 16 تهمة جنائية، أبرزها اتهامه بـ “العمل عميلًا أجنبيًّا” لصالح السلطات المصرية، إلى جانب “الرشوة والابتزاز والاحتيال” مع مسؤولين بالمخابرات المصرية.

لذا أثيرت تساؤلات: هل هناك أوامر صدرت للسيسي من أمريكا بإقالة عبّاس كامل أو التخلص منه بسبب علاقته بقضية وائل حنا والسيناتور مينينديز، وورود اسمه كمتهم في جلسات المحاكمة الأخيرة وربما طلب حضوره للمحاكمة فتمت إقالته؟

الطيار المصري السابق شريف أسامة، المقيم في أمريكا، والذي فضح رشوة وغسيل أموال عبّاس كامل في أمريكا، أكد وجود تحقيقات تجري منذ فترة حول هذا الأمر، وتحدث عن قضايا غسيل أموال للمخابرات العامة، وأنه شارك في فضحها مع المباحث الفيدرالية الأمريكية وكانت سببًا في الإطاحة بعبّاس كامل.

الخبير المصري المقيم في أمريكا، الدكتور نايل شافعي، قال إن إقالة عبّاس كامل بعد سامح شكري كان حتميًّا بعد ذكر اسميهما (وزوجتيهما) في تحقيقات الكونجرس الأمريكي في فضيحة رشوة مصر والمخابرات للسيناتور بوب مينينديز عبر وائل حنا الذي كان وسيطًا للمخابرات المصرية.

سبب آخر محتمل لإقالة عبّاس كامل، هو ارتباط هذا القرار بزيارة ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، للقاهرة قبل يوم واحد من إقالة كامل، بسبب أن العلاقة بين مصر والسعودية شهدت توترًا في السنوات الأخيرة، وخاصة بين كامل وتركي الشيخ، مستشار ابن سلمان، في ملفات مثل الإعلام والفن المصري وغيرها.

وعكس ما قيل حول إقالته وانتهاء دوره، مثل بقية من شاركوا السيسي الانقلاب، هناك تكهنات أن السيسي أخرجه من جهاز المخابرات (بعدما نفذ الدور الذي عينه له، وهو السيطرة على المخابرات العامة وتطويعها للمخابرات الحربية عقب ظهور توجه داخلها معارض للسيسي)، ليعينه في مهام أهم.

قد تكون وظيفة “المبعوث الخاص لرئيس الجمهورية” أنشأها السيسي لعبّاس كامل لأنه يريد تفريغه لملفات مثل سد النهضة والنزاع مع إثيوبيا وملف المياه وغزة والعلاقات مع إسرائيل والسودان وغيرها من النقاط الملتهبة حول مصر.

هناك ترجيحات أخري، لو صح هذا التصور بترقيته لمنصب أعلي، أن يكون قرار إبعاده عن المخابرات تهيئة وتمهيدًا لتعيينه نائبًا للرئيس بعد أن يأخذ فترة معتبرة في العمل السياسي، تُظهِره كمسؤول سياسي يدير ملفات سياسية، وقد يكون مؤهلًا لخلافة السيسي في الرئاسة.

منصب “المنسق العام للأجهزة الأمنية” هو منصب أمني جديد ومستحدث، ولا يبدو أنه “شرفي” مثل “مساعد أو مستشار الرئيس”، لذا قد تكون إقالة عبّاس كامل وتعيينه في هذا المنصب هي في الحقيقة ترقية له.

أيضًا عبارة “منسقًا عامًا للأجهزة الأمنية” قد تعني إشرافه على أجهزة المخابرات العامة والحربية وأمن الدولة وغيرها والتنسيق بينها بعدما  أثير عن وجود بعض التخبط بينها، مثل وقوف المخابرات وراء لجنة العفو الرئاسي، ثم عرقلة أمن الدولة قوائم المفرج عنهم.

لا يعني الخلاف في الرأي بين الأجهزة صراعًا، بل هو تنافس في خدمة النظام وإطالة عمره، فالمخابرات تتبنى فكرة أن قليلًا من التنفيس كفيل بإطالة عمر النظام، في حين يتبنى الأمن الوطني فكرة أن قليلًا من التنفيس كفيل بتفجير ثورة ضد النظام، مثلما حدث في عهد حسني مبارك.

الملاحظة الأهم هي في توقيت صدور قرار إقالة شخصية بارزة مثل عبّاس كامل في ظل الأزمات المتزايدة التي تواجهها مصر، سواء على الحدود الشرقية أو الغربية أو الجنوبية، فقد يكون الهدف رغبة السيسي في إعادة الهيكلة داخل الأجهزة، وقد يحدث بعده اتخاذ قرارات جديدة في شأن قيادات أمنية أخري.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى