تقدير موقف

أزمة الكهرباء وانتقاد النظام المصري: التوقيت، والخطورة، والتبعات

للتحميل والقراءة بصيغة PDF

مقدمة

سيطرت حالة من الغضب على الشارع المصري بسبب انقطاع الكهرباء، في وقتٍ تعرضت فيه البلاد لموجةٍ شديدةٍ من الحرارة، الأمر الذي أدَّى إلى فتح باب انتقاد السيسي ونظامه، بعد أن أظهرت الأزمة كذب النظام الذي أعلن من قبل انتهاء أزمة الكهرباء في مصر، ليتضح بعد ذلك أن الحكومة تقلص إنتاج الكهرباء لتوفير الغاز وتصديره للحصول على عائد دولاري لتعزيز موازنة البلاد بالعملة الصعبة، في محاولة منها للخروج من الأزمة الاقتصادية التي نتجت عن التوسع في الاستدانة من الخارج وإقامة مشروعات باهظة التكاليف، وبدون تخطيط، مما أوقع البلاد في أزمة مالية حادة.

لم يكن الموضوع مجرد أزمةٍ في قطاع حيوي مثل الكهرباء، ولكنها أزمة كاشفة عن نظام فاشل، وسوء إدارة، وخداع للشعب المصري. كما أنها توضح طريقة تفكير النظام العاجز عن إيجاد حلول حقيقية للأزمات، والذي لا يقيم وزنًا للشعب المصري واحتياجاته، ويقود البلاد إلى الانهيار. 

أتاحت أزمة الكهرباء الفرصة لزيادة السخط الشعبي المتنامي، وتوجيه الانتقاد إلى النظام الحاكم بسبب فشله في إدارة شؤون الدولة، على جميع المستويات، الاقتصادية والسياسية والمجتمعية. وكان أبرز ما في هذه الانتقادات هو صدور بعضها عن شخصيات من المحسوبين على معسكر 30 يونيو، والذين أيَّدوا السيسي منذ الانقلاب.

ولهذا، تحاول هذه الورقة تسليط الضوء على توقيت الأزمة، وخطورتها، وتبعاتها، من خلال الإشارة إلى تنامي حالة السخط الشعبي، ودلالة استدعاء تجربة الرئيس مرسي مع الأزمة نفسها، وأهمية الانتقادات الصادرة عن مؤيدي السيسي، وتبعات حالة الغضب التي أفرزتها الأزمة وآثارها على المشهد السياسي الذي يتم إعداده لانتخابات رئاسية مبكرة.

الأزمة وخطورتها

تفجرت أزمة انقطاع التيار الكهربائي في وقتٍ هو الأخطر بالنسبة للنظام الحاكم في مصر، لأنها تأتي في مرحلةٍ يواجه فيها السيسي تحديات كثيرة، قبل انتخابات الرئاسة المقبلة، والتي يحاول إعداد الساحة لإخراجها في صورة تبدو فيها وكأنها انتخابات حقيقية. ومن هذه التحديات ما يلي:

  1. اتساع رقعة الفشل في إدارة الدولة، لتشمل جميع قطاعاتها، وهو ما اعترف به رأس النظام نفسُه، الأمر الذي جعل الشعب يكتشف أن سياسات النظام بددت موارد الدولة، وأدخلتها في دوامة الاستدانة والقروض التي لم توظف لمصلحة المواطنين.
  2. تراجع الدعم الخليجي، وهو ما كان يظهر أثره في الأزمات المختلفة، المالية والنفطية بشكل خاص، وهو ما رأيناه بعد الانقلاب العسكري، حينما سارع الخليج لتقديم المساعدات النفطية لمصر، لتثبيت أركان النظام الجديد، بحل أزمة نقص إمدادات الوقود التي أثرت بالتبعية على تفاقم مشكلة انقطاع الكهرباء[1]. أما الآن فالنظام مضطر لبيع الغاز وتعطيل محطات الكهرباء لتوفير الأموال التي كان يوفرها من المنح الخليجية قبل ذلك.
  3. اتساع رقعة الأزمات، وعدم اقتصارها على قطاع الكهرباء، وتأثير هذه الأزمات بشكل مباشر على الظروف المعيشية للمواطنين، مع عدم قدرة النظام على حل هذه الأزمات وتفكيك المظاهر الناجمة عنها، والتي يتحمل الناس تكاليفها.
  4. قرب انتهاء الفترة الرئاسية، ودخول السيسي في مرحلة كشف الحساب عن الفترة الماضية، والتي تؤدي أزمة كأزمة الكهرباء إلى الكشف عن فشله، وضرورة عدم ترشحه في الانتخابات الرئاسية المقبلة، وهو ما تتصاعد به الدعوات في الوقت الراهن.
  5. عجز النظام عن إطلاق أي مبادرة لترضية المواطنين وامتصاص غضبهم، كما فعل في 2017، عندما أعلن زيادة دعم الفرد بالبطاقة التموينية لمواجهة الارتفاع الهائل في الأسعار. ولهذا فقد تجاهل السيسي حالة الغضب التي تنتاب الشارع المصري جراء انقطاع التيار الكهربائي، ولم يعلق عليها.

تنامي السخط الشعبي

لم يكن الأمر بالنسبة للشعب المصري مجرد أزمة كهرباء طالما واجه مثيلاتها من قبل، لأن الأزمات كثيرة ومتكررة، وتزيد من حالة السخط الذي يتراكم يومًا بعد يوم.

وسواء كانت أزمة الكهرباء فنيَّة أو بسبب توفير الغاز وتصديره للحصول على الدولار، فإن المواطنين لم يقتنعوا بمبررات الحكومة، وسقطت لديهم سرديّة النظام حول الإنجازات التي يقوم بها السيسي، والتي يتهم معارضيه بإنكارها.

بل وتيقن لدى المواطنين أن النظام لا يُقيم لهم وزنًا عند اتخاذ القرارات التي يحاول أن يحل بها المشاكل التي تسبب فيها، وذلك بعد أن قرر تقليص استهلاك الكهرباء من أجل توفير كميات من الغاز المستخدم في تشغيل المحطات، وتصديره للحصول على العملة الصعبة، ضاربًا بمصالحهم وراحتهم عرض الحائط[1].

كما انكشفت للمواطنين في أزمة الكهرباء أبعادٌ أخرى، تتجاوز حدود الأزمة، وهو ما يظهر من تطرقهم إلى قضايا أخرى يمكن أن تؤدي إلى تنامي حالة السخط ونقلها إلى مستوى يمكن أن يهدد السلام المجتمعي.

ومن هذه القضايا، قضية العدالة الغائبة والتمييز الطبقي، بعد أن تحملت مناطق الطبقات الفقيرة والقرى والمناطق النائية العبء الأكبر في أزمة الكهرباء، في حين تمت مراعاة مناطق الطبقة الثرية، مثل الساحل الشمالي، الذي لم تتأثر حفلاته الصاخبة بالأزمة.

والواقع أن السخط يتراكم مع تكرار الأزمات، وأن التعبير عنه من جانب المواطنين سوف يستمر، ليتحول إلى رسالة واضحة إلى القوى المؤثرة في المشهد المصري، سواء كانت داخلية أو خارجية، مفادها أن دائرة الغضب تتسع لتضم شرائح جديدة من المعارضين لبقاء السيسي في السلطة، ويمكن أن تؤدي أزمة من الأزمات المتكررة إلى الانفجار الذي سوف يُعرِّض مصالحهم للخطر، وأن هذا الانفجار ممكن إذا ما توفر الظرف المناسب له.

استدعاء تجربة الرئيس مرسي

لأزمة الكهرباء في عهد السيسي رمزيَّة خاصة، رغم كثرة الأزمات وتكرارها في قطاعات أخرى، وذلك لأن انقطاع التيار الكهربائي كان إحدى وسائل إثارة الشعب المصري ضد الرئيس الراحل محمد مرسي.

ومع تكرار أزمات الكهرباء في عهد السيسي، استدعى كثيرٌ من المواطنين تلك التجربة التي اتخذها الإعلاميون ذريعة للترويج للانقلاب على الرئيس الشرعي.

وقد قارن البعض بين ما واجهه الرئيس مرسي من هجوم بسبب قطاع كان يُعاني وقتها من إهمال وتدهور حاد، وما يحدث الآن مع السيسي بعد أن ضخ عشرات المليارات من الدولارات لتطوير شبكة الكهرباء وبناء محطات جديدة، فضلًا عن الاكتشافات المستمرة التي تعلن عنها الدولة بين الحين والآخر لحقول الغاز والنفط.

كما أعاد البعض نشر فيديوهات للتغطية الإعلامية الواسعة لأزمة الكهرباء التي شهدتها البلاد في عهد الرئيس مرسي، معتبرين أن حجم التغطية الإعلامية الحالية لا يقارن بحجم تغطية الأزمة في عهد الرئيس مرسي، والتي وصلت إلى حد مطالبته بالرحيل إذا لم يكن قادرًا على تحمل المسؤولية.

ولا شك أن استذكار تجربة الرئيس مرسي مع أزمة الكهرباء، من الأمور التي لم يكن النظام يرغب في حدوثها، لأن المقارنة بينها وبين تجربة السيسي الآن ترسخ لدى المواطن أمورًا ليست في مصلحة الأخير، الذي فشل بعد أن توفرت له كل عناصر النجاح، ومن هذه الأمور ما يلي:

  1. فشل السيسي في اكتساب شرعية الإنجاز، التي كان يمكن أن تزيل عنه تهمة الانقلاب على الرئيس الشرعي لمصالح شخصية أو لمصالح تخص المؤسسة العسكرية.
  2. إعادة التذكير بأن السيسي جاء بانقلاب، وأن تضخيم الأزمات كان مؤامرة للقضاء على الديمقراطية، وليس لإصلاح الأوضاع السيئة.
  3. الحديث عن رحيل السيسي، وفق مبدأ “مش قد الشيله إمشي”، وذلك بعد أن تأكد فشله على جميع المستويات.
  4. انكسار حدة معاداة الإخوان المسلمين لدى كثير ممن أيدوا السيسي، بعد أن أظهرت التجربة العملية كذب الحملات الإعلامية التي شنتها عليهم أذرع النظام.
  5. إمكانية حدوث انفجار شعبي بسبب الأزمات المتكررة، وهو ما عبَّر عنه المصريون في سخريتهم من فشل النظام، حيث صور أحدهم السيسي وهو يتلقى تحذيرًا من مواطن، بأن لا يقطع الكهرباء حتى لا يحدث له ما حدث للرئيس مرسي.

انتقادات من معسكر 30 يونيو

لم يتوقف إظهار الغضب من تقصير الحكومة في أزمة انقطاع الكهرباء على عموم الشعب المصري المتضرر من هذه الأزمة، وذلك بعد أن صرحت شخصيات من معسكر 30 يونيو المؤيد للانقلاب العسكري بانتقادها للنظام وسياساته بشكل علني.

فقد سخر رجل الأعمال نجيب ساويرس من انقطاع الكهرباء في مصر، وقارن بين الفشل المصري والفشل اللبناني في هذا المجال، في تغريدة قال فيها: “عندما توفى أديسون مخترع الكهرباء عام 1931م، تمَّ إطفاء جميع كهرباء العالم لمدة دقيقة تكريمًا له.. وما زالت مصر ولبنان تكرم الرجل كل يوم”[1].

وربطت جميلة إسماعيل، رئيسة حزب الدستور، بين أزمة الكهرباء والأزمة الاقتصادية التي تعاني منها مصر، والتي تصل إلى مستويات جديدة، ويتولد منها كل يوم أزمة في قطاع جديد.

كما أكد د. عمَّار علي حسن، أن انقطاع التيار الكهربائي يتعدى المعنى المادي المباشر، على قسوته مع الحر الشديد وما يحل على مصانع وورش وأماكن رزق من تعطل، إلى مستوى أشد قسوة، هو استغفال السلطة للشعب، والكذب عليه، والاستهتار به، والتمييز بين فئاته وطبقاته بشكل بارح وجارح[1].

ولكن انتقاد الدكتور محمد أبو الغار، رئيس الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي، يظل هو الأشد والأشمل، بعد أن هاجم نظام عبدالفتاح السيسي، واتهمه بالسير خطوات سريعة لتفكيك الدولة وانهيارها[1].

فقد وصف أبو الغار الأداء الاقتصادي بالبائس، وأشار إلى الكوارث الاقتصادية التي أحدثها النظام، والتي تمثلت في التوسع في الاستدانة، وإقامة مشاريع بدون دراسة جدوى.

وطالب أبو الغار النظام بالاعتراف بخطئه في سياسة القروض، وفي إقامة المشاريع التي استنفذت أموال الدولة، مثل العاصمة الإدارية. كما طالبه بالاعتذار عن الأخطاء التي ارتكبها في سياسته الخارجية بخصوص نهر النيل، وفي سياسته مع الدول العربية، وفي الاستعانة بأهل الثقة وإهمال أهل الخبرة.

ولكن المهم في كلام أبي الغار، هو أنه تطرق إلى عدة نقاط قلما يتطرق إليها أحدٌ من معسكر 30 يونيو، إمَّا ولاءً للسيسي أو خوفًا منه، وهي:

  1. الحديث عن المعتقلين، حيث طالب النظام بالاعتراف بخطئه في استخدام قوانين الاعتقال والمحاكمات بقوانين من القرون الوسطي، وحبس عشرات الآلاف من الذين لم يحملوا سلاحًا ولم يحرضوا علي استخدام العنف.
  2. المطالبة بإطلاق الحريات والآراء، ليقول أصحاب الرأي السديد وليس “المطبلاتية” كيف نخرج من المصيبة كوطن وننسي الأفراد. في إشارة إلى تجاوز مرحلة الزعيم الفرد الذي أدخل البلاد في دوامة من الأزمات السياسية والاقتصادية.
  3. الإشارة إلى أن هناك تحوُّل في دائرة هي من أهم دوائر الولاء للسيسي، وهي دائرة الإعلام، وذلك في حديثه عن معتز عبدالفتاح، الذي كان صوت المجلس العسكري منذ ٢٠١١، ولكنه هاجم السيسي وانتقد زيادة معدلات الديون الخارجية خلال حكمه، وأعرب عن أمله في العيش في ظل رئيس يستجيب لمطالب الشعب، التي قد تصل إلى حد التنحي وعدم الترشح للانتخابات[1].
  4. الإشارة الضمنية إلى التحوُّل في موقف الدول الراعية للسيسي، وعلى رأسها الإمارات، التي ذكرها أبو الغار في معرض حديثه عن معتز عبدالفتاح، فقال إنه “افتتحت له فضائية في الإمارات، ليطالب منها الرئيس بعدم الترشح، وأن الأصوات ارتفعت في كل مكان تعلن غضبها”.

توقيت الانتقادات ودلالاتها

تأتي الانتقادات الصادرة من بعض الشخصيات المحسوبة على معسكر 30 يونيو، والتي أيّدت النظام الحاكم بشدة بعد الانقلاب العسكري، في توقيتٍ خطير، ليس بالنسبة لرأس النظام فقط، بل بالنسبة للمنظومة المحيطة به أيضًا، والتي ساعدته في انقلابه، وأيّدت سياساته منذ أن وصل إلى السلطة، وتتحمل معه وزر المرحلة الحالية بكل ما فيها من أزمات.

ولهذا فإن انتقاد السيسي ونظامه من شخصيات تنتمي إلى هذه المنظومة يدفعنا إلى البحث في أهدافهم وأسباب تحوّلهم، للتعرّف على حقيقة هذه الأسباب ودلالتها.

ويمكن تفسير صدور هذه الانتقادات في إطار ما يلي:

  1. تنفيس الاحتقان السياسي، من خلال السماح للبعض بانتقاد النظام، وكأنهم معارضون ينطقون بلسان الجماهير الغاضبة، وذلك على طريقة حسني مبارك، الذي كان يسمح للبعض بهامش من حرية الانتقاد والهجوم على النظام، دون أن يؤثر ذلك في سياساته.
  2. إيجاد حالة من الديمقراطية الزائفة، من خلال إظهار النظام وكأنه يسمح بالانتقادات ولا يُضيّق على الحريات، وذلك لتجميل الصورة التي فشل في تسويقها لنفسه من خلال الحوار الوطني الشكلي الذي لم يُسفِر عن نتائج يمكن أن تقنع الآخرين بوجود إصلاح سياسي في مصر.
  3. تحريض أجهزة أو أجنحة داخل النظام لبعض الشخصيات على انتقاد الأوضاع في مصر، وتوفير الحماية لها من بطش السيسي، في إطار الضغط عليه للخروج من المشهد وعدم الترشح للانتخابات الرئاسية المقبلة، لحماية باقي عناصر النظام من خلال تقديم مرشح آخر يستطيع تفكيك الأزمات الحالية، أو امتصاص غضب الجماهير بالتغيير، الأمر الذي يُبعِد عن البلاد شبح الانفجار الشعبي.
  4. يذهب البعض إلى أن وراء هذه الانتقادات، محاولة القفز من السفينة قبل أن تغرق، بعد استشعار إمكانية سقوط النظام أو خروج السيسي من المشهد، لصعوبة التغلب على الأزمات الاقتصادية والسياسية الحالية مع وجوده في السلطة، وهو ما يُبعِد عن المنتقدين والمهاجمين وَسْم “الفلول” فيما بعد.
  5. الشعور بالحرج أمام الجماهير الغاضبة، والتي ثبت لها زيف ما كان يقوله مؤيدو السيسي، ومحاولة الإبقاء على هامش من المصداقية لديهم، بما يمكنهم من الاستمرار على الساحة في حالة سقوط النظام أو تغييره وظهور قيادة جديدة.
  6. حالة الصدمة التي أصابت بعض الذين راهنوا على السيسي، ثم أدركوا أنه خدعهم، وظهر لهم فشله في إحراز أي تقدم يبرر تأييدهم له.

لا يمكن تفسير الانتقادات التي وجهت للسيسي في إطار فرضية واحدة من الفرضيات السابقة، لأن كل الفرضيات متوقعة في أي انتقاد يصدر عن الموالين للنظام، وقد يصدق أكثر من فرضية في الحالة الواحدة مع اختلاف النسب بين هذه الفرضيات.

ولهذا فإن المرجح لدينا هو أن هذه الانتقادات قد صدرت في إطار الفرضيات الرابعة والخامسة والسادسة، وهي استشعار فشل نظام السيسي، وصعوبة حل الأزمات المتراكمة، والشعور بالحرج أمام الأنصار والمؤيدين.

ولكن تظل الفرضية الثالثة قائمة، حتى وإن لم يكن هناك أدلة على وجودها، لمعرفة المنتقدين للسيسي وسياساته بمدى قدرته على التنكيل بمعارضيه، وعدم وجود قيود تمنعه من القيام باستهداف أي شخص إلَّا إذا كان يحظى بحماية من جهةٍ يتجنب الاصطدام بها.

أما استبعاد الفرضيتين الأولى والثانية، فلأن السيسي بشخصيته “النرجسية” لا يقبل النقد، ولا يعتمد على سياسة تنفيس تتعارض مع طريقته في إدارة الدولة، ويفضل عليها القمع الأمني.

كما أنه لا يمكن للنظام أن يسمح بانتقاده، حتى لو كان من باب الظهور في مظهر ديمقراطي، لأن ذلك يمكن أن يفتح بابًا للتجرؤ عليه، خاصَّة وأن هناك مادة متجددة يمكن أن تغري آخرين باستخدامها في انتقاده والهجوم عليه.

أهمية الانتقادات وخطورتها

جاءت الانتقادات الموجهة إلى النظام هذه المرة في مرحلة دقيقة، يتحسب فيها السيسي لأي تطور يمكن أن يؤثر على وضعه بصورة سلبية.

وسواء كانت هذه الانتقادات من قبيل التنفيس، أو الظهور بمظهر ديمقراطي، أو بتحريضٍ من قوى مؤثرة في الشأن المصري، أو خوفًا من مصير ما بعد سقوطه، أو للشعور بصدمة الفشل واستجابة للغضب الشعبي، فإن صدورها من داخل معسكر 30 يونيو، له أهميته، بسبب ما يمكن أن تمثله من خطر على السيسي ونظامه.

ويمكن رصد أبرز مظاهر الخطورة فيما يلي:

  1. أنها تأتي من حلفاء كانوا يرون في السيسي المُخلِّص والبطل والزعيم، ولم تأتِ من المعارضة، وهو ما يُفقِد السيسي إمكانية استدعاء الإخوان المسلمين، أو قوى الشر، لاتهامهم بمحاولة تشويه صورته وإنكار إنجازاته من أجل خلق حالة من اليأس في أوساط الشعب المصري.
  2. أنها تأتي قبل الانتخابات الرئاسية، والتي يخوضها السيسي في ظروف تختلف عن ظروف خوضه لانتخابات 2014 و2018، لتراجع شعبيته وتصاعد المطالب بعدم ترشحه مرة أخرى.
  3. أنها رسالة إلى القوى الداعمة للسيسي، مضمونها أن مستوى الغضب من السيسي يتزايد داخل المعسكر المؤيد له، وهو ما يمكن أن يدفع هذه القوى إلى التوقف عن تأييده والبحث عن بديل له، يحافظ لها على مصالحها.
  4. أنها يمكن أن تفتح الباب لمزيدٍ من الانتقادات، إذا ما تشجعت شخصيات أخرى على انتقاد النظام، وهو ما سيؤدي بالتبعية إلى تجرؤ الشعب على الهجوم على السيسي.
  5. أنها إعلان عن فشل السيسي، وفقدان الثقة في إمكانية قيادته لأي إصلاح سياسي أو اقتصادي، بعد أن جعل البلد على شفا الانهيار.

تبعات الغضب وآثاره

لم تكن موجة الغضب الشعبي من انقطاع الكهرباء، وخروج الأصوات المنتقدة للسيسي ونظامه، هي الحالة الأولى من نوعها، ولن تكون الأخيرة في ظِل النظام الحالي.

ولكن تركيبة المشهد الحالي بتعقيداتها الراهنة تجعلنا أمام تبعات مؤكدة لهذه الحالة، أهمها انعدام الثقة في قدرة النظام الحالي على إحداث أي تغيير لمصلحة المواطنين، وزيادة السخط وتراكمه، الأمر الذي يمكن أن يساعد في تهيئة الساحة لأي تغيير مستقبلي.

وعلى الرغم من أنه من المرجح أن تنتهي الأزمة الحالية مثلما انتهت أزمات أخرى مماثلة، وأن تتراجع بانتهائها موجة التعبير العلني عن الغضب، خوفًا من بطش السلطة، فإن حالة السخط الشعبي المصحوبة بانتقادات من بعض الشخصيات الشهيرة والمشتبكة مع الحالة المصرية لن تمر دون أن تترك أثرها على المشهد السياسي، وهو ما يمكن رصده من خلال المظاهر التالية:

  1. ظهور حالة من الحِراك الشعبي، تتناسب مع حالة القمع الأمني، وتتشكل في مظاهر من قبيل الانتقال من مربع الموالاة للسيسي أو الحيادية إلى مربع المعارضة، والقيام بالدور الذي كان يقوم به إعلام الثورة المضادة ضد الرئيس مرسي، بترصد أخطاء السيسي وكشفها للناس عبر التواصل المباشر أو وسائل التواصل الاجتماعي.
  2. تجاوب البعض من النخبة السياسية بالداخل مع السخط الشعبي، وخروج الشخصيات التي فضلت الصمت أو الانزواء للتعبير عمَّا يدور في الأوساط الشعبية من انتقادات.
  3. زيادة الأصوت المنتقدة للنظام من داخل معسكر الانقلاب ومؤيدي السيسي، خاصَّة من أولئك الذين استبعدهم النظام ولم يُسنِد إليهم دورًا في المرحلة الأخيرة، أو أولئك الذين تأثرت مصالحهم أو كانت خسائرهم من العلاقة مع النظام أكبر من مكاسبهم، أو أولئك الذين يشعرون أن نهاية النظام باتت حتمية.
  4. احتمالية التعاطي القوي مع الانتخابات الرئاسية، وتحويلها إلى موسم لانتقاد السيسي ومحاسبة نظامه على مجمل تجربته في الحكم، منذ الانقلاب وحتى الآن. وهو ما يمكن أن يؤدي إلى ارتفاع الأصوات المنادية بعدم ترشح السيسي مرة أخرى، وتوفير ضمانات حقيقية تسمح بإقامة انتخابات نزيهة، وصولًا إلى مقاطعة الانتخابات والعزوف عن المشاركة لإحراج النظام، وإظهار حقيقة الانتخابات الشكلية في حالة ترشح السيسي وعدم توفر الضمانات المطلوبة.

خاتمة

كان طبيعيًّا أن يُظهِر الشعب المصري غضبه من أزمة الكهرباء التي أثرت على حياته المعيشية، وعلى مصدر رزق الكثيرين منه، ولكن الغضب تجاوز هذه المرة حدود الأزمة، بعد أن اكتسبت أبعادًا أخرى تتجاوز كونها أزمة مكررة في سلسلة أزمات لا تنتهي.

فقد اكتسب الحدث رمزية لا يمكن إغفالها، بعد أن صار انقطاع الكهرباء دليلًا على فشل النظام الذي جاء بعد الانقلاب على رئيس شرعي ثارت ضده موجة من الغضب بسبب أزمة شبيهة.

ثم إن هذه الأزمة كشفت للشعب كذب النظام عليه، والاستهتار بمصالحه، وتمييزه بين طبقاته، وعجزه عن حل الأزمة الاقتصادية التي تسبب فيها بسياساته الخاطئة.

ولكن الأبرز في هذه الأزمة هو توجيه الانتقاد للنظام من جانب حلفاء له في معسكر 30 يونيو، وهي انتقادات خطيرة على السيسي الذي يعاني من انهيار شعبيته قبل انتخابات الرئاسة التي يريد خوضها في ظِل أصوات تطالب بعدم ترشحه مرة أخرى.

ويمكن لمثل هذه الانتقادات المتزامنة مع تزايد السخط الشعبي أن تؤدي إلى اتساع دائرة الرفض لبقاء السيسي، وزيادة الأصوات المنتقدة لنظامه، والتعاطي مع الانتخابات الرئاسية المقبلة بشكل يكشف زيفها ويُحرِج النظام.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى