غير مصنفمقالات

الوضع الاقتصادي في إسرائيل وأثره في الحياة السياسية

عانى الاقتصاد الإسرائيلي منذ الأيام الأولى للحرب آثارًا سلبية كبيرة؛ حتى إن الربع الأخير من عام 2023م، أي في الشهور الأولى من اندلاع طوفان الأقصى، شهد انكماشًا اقتصاديًّا بنسبة 20 بالمئة نتيجة نقص الأيدي العاملة في قطاع البناء، ومغادرة ما يقرب من عشرة آلاف عامل تايلاندي في القطاع الزراعي، ونحو ثلاثة آلاف عامل في قطاع التمريض، إضافة إلى استدعاء 300 ألف من قوات الاحتياط إلى الجيش الإسرائيلي[1].

تكلفة الحرب

كانت تقديرات قسم الموازنة بوزارة المالية الإسرائيلية التي نشرت نهاية نوفمبر 2023م تقدر التكلفة الأسبوعية للحرب بنحو 10 مليارات شيكل أسبوعيًّا[2] وهذا يعني أن تكلفة الحرب، والتي يمكن أن تشمل السلاح، والوقود، والتعويضات، ومرتبات جنود الاحتياط، وإعانات المهجرين من مستوطنات الشمال والجنوب في فلسطين المحتلة.. وأي تكلفة أخرى محتملة قد تصل إلى حوالي 642 مليار شيكل (169 مليار دولار تقريبًا)، غير أن هذا الرقم الكبير يفترض استمرار الإنفاق بالمعدل نفسه طوال الوقت، وهو أمر غير ممكن بالطبع، خصوصًا وأن تقارير إسرائيلية ذكرت أن تكلفة اليوم الواحد للحرب في بدايتها، فيما يخص العمليات العسكرية وما يتعلق بها، والتي كانت تقدر بنحو 1.3 مليار شيكل (342 مليون دولار)، انخفضت في سبتمبر 2024م، أي قبل فتح الجبهة في لبنان، إلى نحو 100 مليون شيكل (26.3 مليون دولار)[3].

وكان موقع كلكاليست أشار في يونيو 2024م (أي في منتصف الحرب) إلى أن التكلفة العسكرية المباشرة وحدها تصل إلى 111.5 مليار شيكل (29.5 مليار دولار)، ويدخل ضمن هذه التكلفة العسكرية مرتبات الاحتياط، والذخيرة والعتاد العسكري، وتكلفة الطلعات الجوية والوقود والصواريخ الاعتراضية، واللوجستيات، وأنظمة الاستخبارات، وإعادة تأهيل الجنود[4]. وفي سبتمبر التالي مباشرة، نشر الموقع نفسه تقريرًا، نقلًا عن مدير عام وزارة الحرب الإسرائيلية إيال زامير، حول ارتفاع التكلفة إلى 129 مليار شيكل (34 مليار دولار)، مع تقديرات الوزارة بوصول تكاليف الحرب إلى 150 مليار شيكل (39.5 مليار دولار)، وهي تقديرات لم تكن تشمل توسع الحرب في جنوب لبنان[5]. وكانت توقعات محافظ بنك إسرائيل، في مايو 2024م، تقدر أن تصل التكلفة الشاملة للحرب، العسكرية والمدنية، قبل أن تندلع الحرب في لبنان، إلى نحو 250 مليار شيكل (66 مليار دولار)[6]. غير أن الأرقام الواقعية التي أعلنتها وزارة الحرب الإسرائيلية، في يناير 2025م، كشفت عن أن الوزارة أدارت أكبر ميزانية عسكرية على الإطلاق، وأن إجمالي الإنفاق وصل إلى 220 مليار شيكل، أي أكثر من أربعة أضعاف الميزانية في الأعوام العادية[7].

أثر الحرب في الميزانية الإسرائيلية

كانت تأثيرات الحرب السلبية في الميزانية الإسرائيلية كبيرة للغاية؛ وجرى رفع مخصصات وزارة الحرب والأمن القومي أكثر من مرة بأرقام فلكية لم تحدث منذ نشأة الكيان الصهيوني. إلى جانب أن النسخة الأولى من ميزانية 2024م، التي أقرت في مايو 2023م، كانت تخصص لوزارة التعليم المركز الأول بين باقي الوزارات (85.6 مليار شيكل لوزارة التعليم بنسبة 14.6 بالمئة من إجمالي الميزانية، مقابل 64.4 مليار شيكل لوزارة الحرب)، غير أن هذا الأمر تغير تمامًا بعد 7 أكتوبر، وأصبحت وزارة الحرب في المقدمة نتيجة الإنفاق العسكري الهائل، وتراجعت نسبة مخصصات وزارة التعليم إلى 9.9 بالمئة من إجمالي الميزانية بعد التعديل النهائي، مع بقاء المبلغ المقرر للوزارة كما هو.

وقد تعرضت ميزانية 2024م إلى التعديل ثلاث مرات نتيجة الحرب؛ فقد كان مقدرًا عند إقرارها في مايو 2023م أن تقف عند حد 653 مليار شيكل (171.85 مليار دولار)، غير أنها وصلت في تعديلها الأخير في ديسمبر 2024م إلى 869 مليار شيكل (228.7 مليار دولار) بزيادة 215 مليار شيكل، أي أن الميزانية زادت بنسبة 33 بالمئة. وإذا ذهبنا إلى تفاصيل هذه الزيادات نجد أن النصيب الأكبر منها كان لأغراض الدفاع والأمن، وتلاها زيادات في مجال السياحة والصناعة لتعويض حالة الركود الكبيرة التي أصابت المجالين؛ حيث زادت ميزانية السياحة من 191 مليون إلى 4.3 مليار شيكل، كما زادت ميزانية الاقتصاد والصناعة من 2.9 مليار، إلى 4.6 مليار شيكل[8].

كذلك تسببت الحرب بعجز كبير في الميزانية؛ وكانت صحيفة “يسرائيل هايوم” أشارت في يناير 2025م إلى ارتفاع نسبة العجز في نهاية عام 2024م إلى 6.9 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي، أي ما قيمته 136.2 مليار شيكل، بعد أن كان 9 بالمئة في سبتمبر 2024، وأرجعت سبب تراجع العجز إلى ارتفاع عائدات الضرائب المفروضة على الإسرائيليّين[9]. ومن المهم هنا الإشارة إلى أن لجنة ناجل، لجنة فحص ميزانية الأمن وبناء القوة التي شكلتها الحكومة في أغسطس الماضي، حددت في توصياتها التي سلمتها لرئيس الحكومة الإسرائيلية، في 6 يناير 2025م، ضرورة ضخ مبالغ إضافية لميزانية الدفاع خلال العقد القادم، وقدرت هذه الزيادة بـ 275 مليار شيكل (72.4 مليار دولار) وهو مبلغ لا يعرف الإسرائيليون من أين سيأتي، خصوصًا وأن الأموال التي تحصل عليها إسرائيل من بيع الغاز لن تكون كافية مطلقًا لتغطية هذه التكلفة الزائدة[10]. ويقدر باحثون في معهد دراسات الأمن القومي بجامعة تل أبيب، أن تطبيق توصيات اللجنة المذكورة، قد يجعل الإنفاق الدفاعي المباشر في عام 2026م حوالي 5.5 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي[11].

ومن المهم الإشارة إلى أن توقعات النمو الاقتصادي في مايو 2024م كانت منخفضة للغاية بسبب الإنفاق العسكري الكبير، ووصلت نسبتها حسب التوقع حينها إلى 1.9 بالمئة، غير أن الأرقام في ديسمبر من العام نفسه كشفت عن نمو بنسبة 0.6 بالمئة فقط، ما يعني نموًّا سلبيًّا للفرد، في نفس الوقت تمَّ خفض توقعات النمو في العام الحالي 2025م من 4.6، إلى 2.4 بالمئة فقط، خصوصًا وأن مطالب الحكومة بالإنفاق العسكري ما تزال مرتفعة. يضاف إلى ذلك توقع وصول نسبة العجز إلى 5.7 بالمئة من إجمالي الناتج المحلي، في العام الحالي 2025م، وهذا كله أدى إلى تخفيض التصنيف الائتماني لإسرائيل أكثر من مرة[12].

الآثار على الأفراد وأصحاب الأعمال الخاصة

من المؤكد أن انخفاض نسبة النمو، والارتفاع الكبير في نسبة العجز سوف تكون له انعكاساته الخطيرة على المواطن الإسرائيلي وأصحاب المشروعات الخاصة؛ وكان موقع ICE الإسرائيلي، المتخصص في الشأن الاقتصادي، نشر في نهاية يناير 2025م تقريرًا عن تضرر 54 بالمئة من أصحاب الأعمال الحرة اقتصاديًّا بسبب الحرب، نتيجة عدم تقديم الدولة مساعدات تعينهم على تجاوز الأضرار، علمًا أن أكثر من 25 بالمئة من العاملين في إسرائيل ينتمون إلى هذه الفئة بما يصل إلى 1.2 مليون فرد[13].

ثمَّة أرقام أخرى نشرها المعهد الإسرائيلي للديمقراطية نهاية يناير نفسه تشير إلى تراجع دخل 36 بالمئة من الأسر عما قبل الحرب، وأن 28 بالمئة من الأسر ليس لديها أموال سائلة على الإطلاق، فيما يعاني 7 بالمئة من السكان عدم كفاية الأموال التي يمتلكونها للإنفاق على أسرهم أكثر من شهر، مع زيادة عدد الأسر التي اضطرت إلى الحصول على قرض أو استخدام مدخراتها[14]. إلى جانب ذلك فإن الحرب تسببت في أن يبدأ عام 2025م بموجة غلاء رفعت حجم الإنفاق الأسري بنحو 10 آلاف شيكل سنويًّا[15].

ومن الواضح أن الآثار الاقتصادية المترتبة على الحرب ستتكشف تبعاتها على المديين القريب والمتوسط على الوضع العام في دولة الاحتلال؛ وحسب صحيفة كلكاليست، من المتوقع أن يدفع الإسرائيليون في العام الحالي 2025م أثمانًا اقتصادية باهظة، خاصَّة وأن هذا العام ما زال مثقلًا بالإنفاق الحربي، وهو أمر تكشفه الموازنة؛ والتي تتضمن ضرائب وتقليص نفقات تقدر بنحو 35 مليار شيكل من أجل تخفيض الدين العام. كما أن الأضرار لن تتوقف فحسب على زيادة الضرائب، بل أيضًا على تحويل كثير من أموال الميزانية من الإنفاق المدني إلى الإنفاق على المتطلبات الأمنية[16].

الآثار السياسية للوضع الاقتصادي

ما سبق من تأثيرات اقتصادية ينعكس حتمًا على كافة مناحي الحياة في إسرائيل؛ وفي مقدمتها المجال السياسي، خصوصًا وأن العامل الاقتصادي في مناسبات انتخابية سابقة، حسبما نشر المعهد الإسرائيلي للديمقراطية حول انتخابات الكنيست الرابعة والعشرين، مارس 2021م، كان على رأس العوامل المؤثرة في اختيارات الناخبين بنسبة 29.5 بالمئة، يليه الموقف من القضايا الاجتماعية بنسبة 27 بالمئة. غير أن تأثير الصعوبات الاقتصادية على السياسة في إسرائيل يرتبط بجملة عوامل؛ أحدها درجة الولاء الحزبي، الذي عادة ما يكون في أعلى مستوياته بين الأحزاب الحريدية، ثم أحزاب اليمين، ويقل لدى أحزاب الوسط[17]، علاوة على ميل شعبي إسرائيلي نحو اليمين يتزايد باضطراد خلال العقدين الأخيرين، وبلغ ذروته في الانتخابات الأخيرة، فضلًا عن عدم وجود قيادات سياسية تتمتع بشخصية كاريزمية يمكن أن تحدث تحولات سياسية كبيرة في المشهد الانتخابي الإسرائيلي. ويضاف إلى ما سبق أن توقيت الانتخابات القادمة يلعب دورًا مهمًّا في تعظيم تأثير الوضع الاقتصادي على الحياة السياسية؛ ففي الظروف الطبيعية، وفي حال استكمال الحكومة مدتها الكاملة، من المقرر عقد الانتخابات بعد أقل من عامين، نهاية عام 2026م، وهي فترة طويلة قد تقلل من دور العامل الاقتصادي في التأثير على المشهد السياسي، أو تزيده على حسب قدرة الحكومة على تجاوز التبعات الاقتصادية للحرب.

وإلى جانب ذلك فإن العامل السياسي يبدو الأكثر تأثيرًا في المشهد الإسرائيلي، حتى اللحظة، خصوصًا في ظل قضايا كبرى تتعلق بالوجود الإسرائيلي، والعقد الاجتماعي بين الدولة والمواطنين، والأزمات المتعلقة بالحريات والتعبير عن الرأي، والمشاكل بين القيادة السياسية والعسكرية.. وغير ذلك من القضايا التي أصبحت مصدرًا للصراعات السياسية غير المسبوقة، والتي أنتجت خطابًا إعلاميًّا حزبيًّا بامتياز، وتصدير استطلاعات رأي هدفها توجيه الرأي العام أكثر من اهتمامها بقياس توجهاته، يدل على ذلك حجم التباين بين هذه الاستطلاعات عند قياس نصيب الأحزاب من مقاعد الكنيست حال أجريت انتخابات الآن؛ إذ يشير قياس رأي لصحيفة معاريف، نشر في 10 يناير 2025م، إلى حصول حزب الليكود بقيادة نتنياهو على المركز الأول بعدد 22 مقعدًا، وإجمالي 49 مقعدًا لقوى الائتلاف الحاكم الحالي[18]، بينما يشير استطلاع للقناة 14، الموالية للحكومة، نشر 6 فبراير الجاري، إلى حصول الليكود على 33 مقعدًا، وإجمالي 63 مقعدًا لقوى الائتلاف الحاكم[19]. وهذا يعني أن القضايا السياسية هي الأكثر تأثيرًا في المشهد الإسرائيلي حاليًا، من دون أن يقلل من حجم التأثير الكبير للمشاكل الاقتصادية التي تسببت بها الحرب.


[1] – Ivanova Polina , Zilber Neri: Israel’s economy shrank at 20 % rate after outbreak of war. Financial Times 19/02/2024. https://tinyurl.com/2bfjxjrl

– Official: over 17.000 foreign workers left Israel since 7 October. Middle East Monitor. 28-11-2023, Retrieved 25-12-2024. https://tinyurl.com/29loa8so

[2] – https://tinyurl.com/2blyu5f9

[3] – יובל שדה: התחזית המעודכנת של הצבא לעלות המלחמה, 140-150 מיליארד שקל. כלכליסט 29.09.2024.

https://tinyurl.com/2d2us784

[4] – יובל שדה: משרד הביטחון, אם החזית בצפון לא תתרחב – 85 % מעליות המלחמה הישירות מאחורינו. כלכליסט 29.06.2024.

https://tinyurl.com/27j66wf7

[5] – יובל שדה: התחזית המעודכנת של הצבא לעלות המלחמה, 140-150 מיליארד שקל. כלכליסט 29.09.2024.

https://tinyurl.com/2d2us784

[6] – סוניה גורדודיסקי: נגיד בנק ישראל, עלות המלחמה תעמוד לע 250 מילחארד שקלים. ישראל היום 30/5/2024.

https://tinyurl.com/2xtljobk

[7] – תקציב הביטחון שבר שיאים, נחשפו המשפרים המוטרפים של הוצאות המלחמה. ICE 2/2/2025.

https://tinyurl.com/2dp573gn

[8] – מבט על התקציב. מרכז המחקר והמידע, המחלקה לפיקוח תקציבי. ינואר 2025.

https://tinyurl.com/26zqd2p2

[9] – ניצן כהן: הפתעה, הגירעון ב-2024 התכנס ל-6.9 % תוצר, עלות המלחמה 100 מיליארד שקל. ישראל היום 13/1/2025.

https://tinyurl.com/24adozg7

[10] – סמי פרץ: הזינוק בתקציב הביטחון ישאב את כל ההכנסות מהגז הטבעי של ישראל. THE MARKER 10 בינואר 2025. https://tinyurl.com/2xw3wuwr

[11] – עפר שלח, אסטבן קלור , תומר פדלמן: דו”ח ועדת נגל – במבחן התוקף וסיכויי היישום. המכון למחקרי ביטחון לאומי. 20 ינואר 2025.

https://tinyurl.com/26qxzfgb

[12] – אדריאן פילוט: ה-OECD חותך את תחזית הצמיחה של ישראל, “ייתכן שיהיה צורך בהעלאת ריבית”. כלכליסט 04.12.2024.

https://tinyurl.com/2689ttoj

[13] – 54 % מהעצמאים נפגעו כלכלית בגלל המלחמה, “אין עזרה מהמדינה”. ICE 29/1/2025.

https://tinyurl.com/23ewen9t

[14] – דפנה אבירם-ניצן, עומר כהן:  סקר מיוחד, מצבם הפיננסי של העובדים בזמן מלחמת חרבות ברזל. המכון הישראלי לדמוקרטיה. 04 בפברואר 2025.

https://tinyurl.com/2cphqmmx

[15] – ניצן כהן: יוקר המחיה, מודעת – היא שם המשחק גם בסלולר. ישראל היום. 2/1/2025.

https://tinyurl.com/23jjsr2q

[16] – שלמה טייטלבאום: היום שאחרי המלחמה מתקרב, והצורך בהרחבת הגזירות הכלכליות רק מתדבר.

 כלכליסט 28.01.2025. https://tinyurl.com/23voov65

[17] – תמר הרמן , אור ענבי: האם התחום הכלכלי יכריע את הבחירות? המכון הישראלי לדמוקרטיה. 05 בינואר 2021.

https://tinyurl.com/259h9xyj

[18] – משה כהן: בכירי הממשלה נשארים בחוץ, נתיהו ממשיך להיחלש. כל המספרים, סקר מעריב. מעריב 10/01/2025.

https://tinyurl.com/2a4hetzx

[19] – סקר מנדטים: הקואליציה עם הישג אדיר, לפיד מתרסק. סרוגים 06/02/2025.

https://tinyurl.com/2yhlnepn

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى