الخبر:
بعد تأجيل دام منذ مارس 2025م بطلب من الحكومة المصرية، أصدر صندوق النقد الدولي في 15 يوليو 2025م تقرير المراجعة الرابعة لبرنامج القرض الممنوح لمصر بقيمة 8 مليارات دولار. وجَّه التقرير انتقادات حادة لاستمرار تدخل حكومة عبد الفتاح السيسي والمؤسسة العسكرية في الاقتصاد المصري.
ورغم الإشارة إلى بعض الإصلاحات، إلا أن التقرير سلَّط الضوء بلهجة صارمة على استمرار هيمنة الجيش على الأنشطة الاقتصادية، وعدم التزام الحكومة بتعهداتها بشأن طرح شركات عسكرية في البورصة، حيث لم يُعرَض سوى جزء منها دون التنفيذ الكامل.
وكشف التقرير عن امتلاك المؤسسة العسكرية لـ97 شركة، بينها 73 تعمل في القطاع الصناعي، إلى جانب توسّعها في مجالات أخرى، ومنافستها للقطاع الخاص في مشاريع مدنية، مستفيدة من إعفاءات ضريبية وحصولها على خدمات حكومية (كالكهرباء والمياه) مجانًا.
وأكد الصندوق أن “السيطرة الحكومية على الاقتصاد تعرقل النمو وتمنع خلق فرص عمل حقيقية”، ما يؤدي إلى اختناق السوق وتقلُّص الاستثمار، وتضخم دور الأجهزة على حساب المواطن.
وأشار التقرير إلى أنه كان من المخطط أن تطرح الحكومة 11 شركة مملوكة للدولة في البورصة خلال عام 2025م، من بينها بنكان وخمس شركات عسكرية، هي: وطنية لتشغيل محطات الوقود، وصافي للمياه، وسيلو فودز للصناعات الغذائية، وتشيل أوت لتوزيع الوقود، والشركة الوطنية للطرق.
ومن أبرز الانتقادات أيضًا، غياب ضمانات وزارة المالية لقروض بعض المؤسسات الحكومية، ووصف هيكل الاقتصاد المصري بأنه ما يزال “يُدار من الأعلى”، مع تحكم مؤسسات سيادية لا تخضع للمساءلة، مثل الهيئة العامة للبترول (EGPC) وهيئة المجتمعات العمرانية (NUCA)، حيث تعمل هذه الجهات خارج الميزانية الرسمية ودون رقابة برلمانية، ما يجعلها أقرب إلى “دولة داخل الدولة”.
التعقيب:
يأتي هذا التقرير بعد تراجع الحكومة المصرية عن وعودها بطرح شركات الجيش في البورصة، رغم تعهدها منذ ثلاث سنوات ببدء عملية القيد لشركتي “وطنية” و”صافي”.
وبحسب ما ورد، يمتلك الجيش 97 شركة، منها 73 في القطاع الصناعي، و15 في الخدمات، و9 في العقارات، و6 في التعدين. وتصل الحصة السوقية لبعض الشركات العسكرية إلى نحو 36%، خاصة في قطاعات مثل الرخام، الجرانيت، الأسمنت، والصلب.
ويُعَد هذا التقرير أول وثيقة رسمية دولية توثق نشاط المؤسسة العسكرية بهذا التفصيل، بعد سلسلة دراسات بحثية – مثل تقارير “كارنيغي” عن “بيزنس الجيش” و”جمهورية الضباط” – التي افتقرت إلى بيانات دقيقة.
ووصف الصندوق تدخل الجيش في مجالات مثل شراء الأراضي والكيانات الخاصة بأنه يُعرقِل مسار الخصخصة، ويجب تصحيحه. وأوضح أن الشركات العسكرية توسّع نشاطها إلى مجالات إضافية مثل الفنادق، الطاقة، والمرافق، مما يُقصي القطاع الخاص غير القادر على منافسة مؤسسة تحظى بامتيازات مجانية.
وعلى صعيد الدين الخارجي، حذّر التقرير من تفاقمه، مشيرًا إلى أنه قد يصل إلى 202 مليار دولار بحلول 2030م (من 180 مليارًا حاليًا)، وهو ما يشكّل “مؤشر خطر” على الاستدامة المالية ويهدد الوضع السيادي لمصر.
كما تحدّث التقرير عن احتمالية انخفاض جديد في قيمة الجنيه المصري، رغم تقديرات دولية تُظهِر أن قيمته الحقيقية لا تتجاوز 20 جنيهًا للدولار، مقارنة بالسعر الرسمي البالغ 49 جنيهًا. وأوصى الصندوق بالإبقاء على سياسة “تحرير سعر الصرف” لمواجهة الصدمات الاقتصادية.
وفق مؤشر “بيج ماك” الصادر في يوليو 2025م، عن مجلة “إيكونوميست”، فإن الجنيه المصري مقوَّم بأقل من قيمته الحقيقية بنسبة 57.9%، ما يعكس فجوة سعرية كبيرة.
ومن المفارقات التي أشار إليها التقرير، أن الحكومة، رغم إعلانها إنهاء دعم الوقود، يُتوقَع أن تزيد إنفاقها عليه، ليصل إلى 79 مليار جنيه في العام المالي الحالي، ثم يرتفع إلى 130 مليارًا بحلول 2027/2028م، نتيجة انخفاض الجنيه وارتفاع أسعار الطاقة عالميًّا.
وتشير البيانات الرسمية إلى أن الحكومة تنفق حاليًّا نحو 366 مليون جنيه يوميًّا على دعم الوقود، أي ما يعادل 11 مليار جنيه شهريًّا، بحسب بيان وزارة البترول الصادر في 11 أبريل 2025م.
ويتوقّع الصندوق أن يبلغ دعم الطاقة 180 مليار جنيه في 2027/2028م، ويرتفع إلى 190 مليارًا في العام التالي، قبل أن ينخفض إلى 166 مليارًا في 2029/2030م.
وبحسب تقديرات الصندوق، يُقدَّر إجمالي الدعم في مصر خلال العام المالي الجاري 2025/2026م بـ744 مليار جنيه، مع توقع ارتفاعه إلى 833 مليارًا في العام المالي التالي.